20 - 05 - 2025

"طفلة البلكونة" واختبار البيوت!

أطل علينا في عز الصيام والشهر الكريم مشهد مزعج من فيديو مثير للجدل على مواقع التواصل الاجتماعي لأب وابنته ، وسط روايتين للحادثة، بدأت باتهام الأب بمحاولة القاء ابنته من "البلكونة"، وانتهت بعد التحقيقات إلى أن الأب كان يحاول انقاذ ابنته من السقوط بعد هروبها إلى "البلكونة" خوفا من ضربه لها، وأيا كانت الحقيقة، فإن العنف كان حاضرا وهو ما لا يجب الصمت عليه.

إن العائلات في حاجة إلى خطة شاملة واستراتيجية تقوم بها المؤسسات المعنية لمواجهة دوامة العنف المنزلي وبخاصة ضد الأطفال ، بداية من التأسيس بعد المهد وصولا إلى مرحلة اللحد، حتى تمضي البيوت في سلام ووئام دون إرهاب أو ارعاب لأي فرد داخل هذه المنظومة شديدة القدسية والخصوصية.

وكشف تقرير صادر في العام 2020 عن منظمة الصحة العالمية واليونيسيف واليونسكو وآخرين عن أن "نصف أطفال العالم، أو قرابة مليار طفل كل عام، يتعرض للعنف "، ولذلك يقول تقرير حديث آخر ، وصادر عن الأمم المتحدة : "إن إنهاء العنف ضد الأطفال ضرورة أخلاقية، وأمر حكيم من الناحية الاقتصادية".

وبحسب التقرير فإن الحاجة ملحة لوضع استراتيجية وطنية محورها الأطفال تكون متكاملة ومتعددة التخصصات ومحددة زمنياً للتصدي للعنف ضد الأطفال ، وسن حظر قانوني صريح بشأنه، وزيادة الجهود المبذولة لجعل ذلك العنف أمرا غير مقبول اجتماعياً.

وهنا نجدد المطالبة بالتثقيف قبل الارتباط ، تثقيف يصل إلى أعماق الحضر والريف ، مع ضرورة العمل على تقنين اصدار رخصة علاقات زوجية قبل الزواج ، والاستمرار في التعلم بعد الإنجاب خاصة البعد التربوي، وكل ذلك وغيره يحتاج إلى مؤسسات رعاية ودعم.

ويجب على الجميع كذلك مواصلة السعي للتنمية الاقتصادية للأسر، فالظروف الاقتصادية بلا شك تؤثر على أوضاع البيوت والقلوب ، وهو ما ظهر في كواليس حادثة "طفلة البلكونة" ، فالفقر يصنع دمارا بالبيوت كما يصنع الحب عمارا بها ، وإن كانت الظروف ايجابية طال الهدوء والاستقرار البيوت، وإن كانت غير ايجابية فإن النكد والاضطراب رفيقان لهم، ما لم يتم الاتفاق على الصبر الجميل والرضا المتجدد والتعاون المشترك والوفاق المتودد.

إن الأبناء والبنات ثمار رحلة عمرنا ، وعناية الثمرة يحتاج إلى وعي وفهم وقلب أبيض رحيم ، والعنف ضدهم لن يأتي بخير، والضرب وسيلة انتهى تأثيرها في العصر الحديث ، وباتت وفق المختصين أسلوب عفا عليه الزمان في ظل وجود أساليب حديثة للثواب والتأديب، والتنشئة والتهذيب.

إن في العلوم النفسية والتربوية متسع لادارة العلاقة مع أبنائنا ، ومن يملك المال عليه بالتعلم ، ومن قدر عليه رزقه فعلى الجميع تعليمه ومساعدته بالتزامن مع اخذه بالأسباب في ظل ثقافة التعليم المجاني عن بعد ، فتثقيف البيوت بات من الاستثمار شديد الأهمية في المجتمع، بل نرى أن توجه إليها مخصصات من العمل الخيري بغية رفع مستوى الوعي الأسري وتجنب دوامة العنف والشقاق.

لقد باتت البيوت في زمن الاختبار المستمر، وعليها أن تختار المسار الصحيح فورا وحالا ، لتصحيح ما مضى ، وإنقاذ ما بقى ، وكتابة المستقبل الأجدى ، ولن نصل إلى ذلك إلا بأب راشد وواعي ومسئول وأم ذكية وحنونة وصبورة  يديران بنجاح أسرة قوية متميزة ، في مجتمع رحيم ومتكافل ومتعاون، يحمي الأطفال ويناصر حقوقهم تحت رعاية مفاهيم الحديث النبوي الشريف :" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".
---------------------------
بقلم : حسن القباني

مقالات اخرى للكاتب

لن نعيش في جلباب الماضي