28 - 03 - 2024

فضفضة بين اغتراب و غربة

فضفضة بين اغتراب و غربة

يسكن الاغتراب الروح ، عندما  نجد أن أوطاننا لا توفر لنا فرصا متكافئة للعمل و النجاح، و أننا مهما اجتهدنا او تميزنا فسنجد أنفسنا في مجتمعاتنا مواطنين من درجات أقل ، فمفتاح النجاح في مجتمعاتنا ليس كفاءتنا ولا اجتهادنا ، لكن مفتاح نجاحنا هو من نحن؟ أبناء من ومن يسندنا او يوصي علينا توصية قوية فيها متابعة واهتمام و ليس مجرد توصية عابرة ولن تكون هذه التوصية بلا مقابل. 

 لأي الفئات ننتمي وينتمي أهلنا ولأي شلة ننضم وأي نوع من التنازلات نستطيع أن نقدم، هذا هو المعيار.. 

حتى الذين يعملون في نفس المهنة أو نفس الوظيفة في ذات المكان، ليس الالتزام والكفاءة هي الحكم بينهم ، ولكن الحكم هو أشياء أخرى كثيرة. في مجتمعاتنا كلما كنت صاحب ضمير وأخلاق كلما هبط بك السلم لأسفل ، وكلما كنت مرنا في مبادئك كلما ارتقى بك السلم في عملك وفي دخلك.

وحتى عندما تعمل في مكان واحد مع أبناء الفئات الأهم ، لن تكون تكليفاتهم مثل تكليفاتك ولا مرتباتهم مثل راتبك ، بل سيكون أبناء هؤلاء أصحاب تكليفات أقل و رواتب أعلى.

هناك مخارج ومداخل للربح والثراء والحياة الرغدة لا يعرفها ولا يمتلك مفاتيحها إلا هؤلاء ..

فمهما أوقفت الحكومة التعيينات ستجد شبابا صغارا في مكاتب قيادات الهيئات والشركات الحكومية وفي الإعلام والصحافة يجلسون بثقة و يتحدثون بثقة لا يعتريهم خوف من خصم او فصل. وإذا تتبعت أسماء هؤلاء الشباب، ستجد أنها أسماء ليست غريبة عنك سمعتها من قبل ، فهي إما أسماء وزراء حاليين او سابقين او أسماء قيادات في الجهات الهامة المتحكمة في مصير الدولة.

حتى تعيين الحكومة لأوائل الخريجين توقف تحت دعاوى إتاحة الفرص المتساوية في حين أن ما حدث هو انعدام الفرص لهم ، فلم يعد مسموحا لأبناء المواطنين العاديين التعيين في أماكن هامة بإجتهادهم، الإجتهاد ليس معيارا هنا ..

ومع ظهور فروع الجامعات الأجنبية وتبني الدولة لإنشاء بعض هذه الجامعات التي يلتحق بها الطلاب مقابل مبالغ كبيرة لا يقدر عليها إلا أصحاب القدرة ، تحول خريج الجامعات الحكومية إلى خريج من درجة اقل ينظر إليه كنصف متعلم ، وكشخص من درجة أقل ، فهو ليس ابنا لأحد العاملين في جهات بعينها وأقل لأنه خريج جامعات حكومية هي في تصنيفها داخل الدولة أقل من غيرها ، وبالتالي فسوف تنخفض درجة المواطن العادي إلى مستويات أقل و أقل و أقل.

ومع الظروف الإقتصادية هبطت الطبقة متوسطة الغنى او المستورة - التي كانت تمتلك ما يكفي إحتياجاتها الأساسية وبعض الرفاهية المعقولة - إلى طبقة فقيرة عُليا وهي الطبقة التي تجد الضروريات و كفى ، ثم هبطت مرة اخرى مع موجة إرتفاع الأسعار الأخيرة إلى طبقة متوسطة الفقر لا تستطيع أن تجد الضروريات بغير معاناة شديدة وربما لا تكتمل لديها الضروريات .

و تأثر أبناء هؤلاء حينما أصبحوا فوجدوا أنفسهم و قد هبطوا إلى ما بعد الدرجة الإجتماعية العاشرة ولا طريق منظور لديهم للتقدم للأمام او الارتقاء لأعلى .. وهكذا أصبح الوطن مكانا غير آمن لهم .

فالإنسان دائما ما يسعى للنمو والإرتقاء ، وحبسه داخل حجرة مغلقة تحت سطح الحياة هو دفن له حيا ، ولهذا فهو يبحث عن متنفس يشتم منه رائحة الحياة الحقيقية والمتنفس أو الحلم لأبناء الطبقات الهابطة لأسفل هو السفر أو الهجرة إلى بلاد أخرى قد يجدون فيها ما يستر إحتياجاتهم ، و قد يشعرون فيها أنهم في درجة ثانية او ثالثة او حتى رابعة بحسب إجتهادهم و قدراتهم و ليس بعد العاشرة لأسباب لا يملكونها كما في أوطانهم.

يبحثون عن بلاد كلما إجتهدوا فيها فتح لهم طريق للنجاح و طريق للارتفاع ولو جزءا من درجة من الدرجات الاجتماعية، ورغم ما يحف بالغريب من أخطار قد تصل إلى خطر الغرق في البحر او الموت برصاص عنصري في بلد آخر بعيدا قد ينظر إليه أهله فيه كلاجئ متطفل ، إلا أنه يقرر السفر أو الهجرة وهو بين خيارين إما أن يجد طريقا و يعيش كريما ، أو يموت ميتة واحدة فتكون أكثر راحة له من الموت عدة مرات و هو على قيد الحياة.

هكذا صار الاغتراب أزمة المواطن في وطنه و الغربة هي الملجأ.
-------------------------------
بقلم: إلهام عبدالعال

مقالات اخرى للكاتب

خدمة العملاء و تعذيب المواطن





اعلان