25 - 05 - 2025

السماح بالرحيل: كيف تدفع الغيمة السوداء المحيطة بك إلى الانحسار؟

السماح بالرحيل: كيف تدفع الغيمة السوداء المحيطة بك إلى الانحسار؟

تخيل أن لديك قوة خارقة، تجعلك تري ما لا يراه الآخرون. تنظر فترى أشخاصًا يمشون وحولهم غيمةً سوداء، تحيط بهم بالكامل، تثقلهم وتعرقلهم بشكل مستمر، ويرون من خلالها أن كل شيء يشوبه السواد، انت فقط من ترى تلك الغيمة، هم لا يدرون بوجودها لأنهم لم يجربوا الحياة بدونها قط، فيظنون أن هناك حقيقة واحدة وهي أن الحياة ثقيلة ويشوبها السواد، وليست جميلة ومبهجة ومليئة بالألوان كما يدعي بعض الناس. تنظر فترى أن الغالبية العظمى من الناس محاطون بغيوم سوداء، تتفاوت كثافتها من شخص لآخر، يبتسمون ويعملون ويحتفلون ويفعلون كل شيء وكأن كل شيء على ما يرام، فهم لا يدرون ما الخطب؟. ثم تنظر في المرآة فترى أنك أيضًا محاط بغيمة سوداء. 

تلك الغيمة ما هي إلا الكثير والكثير من المشاعر المدفونة، مشاعر كالعار، والذنب، والشفقة، والخوف، والأسى، والرغبة، والغضب، والفخر (نعم الفخر شعور سام). هي محض مشاعر تراكمت خلال حياة الشخص ، ولم تأخذ مكانها أو يتم التعبير عنها كما يجب، فتبقى مخزنة في جسد الشخص في انتظار فرصة للخروج، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، فوجود تلك المشاعر وتراكمها له ضرر بالغ، وكلما زاد الاحتفاظ بها كلما زاد ضررها.

أول الأضرار أن كلشعور تنتج عنه آلاف الأفكار من نوعية الشعور نفسها، وفي الغالب لا يكون لتلك الأفكار أي أساس من الصحة ولا تكون منطقية، ولكنها تمنع الشخص من أن يرى الحياة كما هي ويستمتع بجمالها، كما أنها تمنعه من حال الطمأنينة والسلام والسكون والبهجة. ويمتد أثر تلك المشاعر للتصرفات واختيارات الحياة (يأخذ الشخص بلا وعي قرارات تبقيه في نفس مستوى المشاعر أو تزيد منها)، وكذلك رؤية الشخص للحياة فيرى أن الحياة محدودة وفقيرة ومثيرة للغضب والمعاناة، كما أن تأثير تلك المشاعر بالغ الخطورة على الصحة، فهي السبب الرئيسي في نشوء أمراض القلب وغيره من الأمراض المزمنة، ولها تأثير مدمر على المناعة مما يجعل الجسم عرضة للإصابة بمختلف أنواع العدوى، وكذلك نشوء أمراض المناعة الذاتية (أي أن جهاز المناعة يبدأ في مهاجمة الجسد).

ولكن الخبر السعيد هو أن الحل لكل تلك المشاكل بسيط للغاية، يستطيع المرء أن يتخفف من تلك الغيمة السوداء شيئًا فشيئًا، فيشعر أنه أكثر خفة وسلاما وبهجة، ويرى أن الحياة وفرة وعطاء وفرص وليست تنافسا وعقبات، والحل هو السماح برحيل تلك المشاعر، كما فعل أحد أهم رواد ذلك العلم، وهو الأمريكي ليستر ليفينسون.

بدأ الأمر في 1952، عندما كان ليفينسون، الفيزيائي ورائد الأعمال الناجح، في عامه الثاني والأربعين. كان يعاني الاكتئاب، وتضخم الكبد، وحصى الكلى، ومشاكل الطحال، وفرط الحموضة، والقرح التي خرقت معدته، وبعد أن أصيب بانسداد الشريان التاجي للمرة الثانية، قال له الأطباء أن يذهب إلى المنزل وينتظر الموت. ولكن ليفينسون لم يستسلم، وبدأ بالبحث عن الإجابة داخله، ووجد أن الوسيلة الجوهرية في النمو الشخصي هي السماح برحيل كل المعرقلات الداخلية، وعكف على هذا الأمر بتركيز شديد لثلاثة شهور، بمرور تلك الفترة كان جسده قد تعافى تمامًا، والأهم أنه عاش في حالة عميقة من السلام الداخلي حتى وفاته في 18 يناير 1994، عن عمر ناهز الـ84 عاما ، بعد أن شارك تجربته ومعرفته من خلال العديد من الكتب والخطب، وبعد ابتكار طريقة (سيدونا) وهي أحد أقوى الطرق في تحرير المشاعر.

ولكن إذا كان الأمر بتلك البساطة، لماذا لا يتم بشكل تلقائي أو يفعله جميع الناس؟

- العار، والذنب، والأسى، وغيرها هي مشاعر مؤلمة للغاية، لا أحد يرغب في أن يتألم ، فتلجأ الغالبية العظمى من الناس إلى دفن المشاعر أو الهروب منها أو التعبير عنها (كإخبار أحد الأصدقاء أن قام بتكسير شيء ما) وجميعها طرق تزيد من المشكلة ولا تحلها. معظم الناس يخافون من أن يعيشوا مشاعرهم، ويشعرون بالذنب تجاهها، ويظنون خطأً أنهم لو بدأوا بالبكاء فلن ينتهوا أبدًا. لا يدركون أن الشعور مجرد شكل من أشكال الطاقة كتلك التي في البطارية، لها قوة طالما أنها محبوسة، ولكن عندما يتم تفريغها تفقد قوتها بالكامل ويحل محل تلك الطاقة شعور عميق بالسلام والبهجة الهادئة والبصيرة. كل ما في الأمر هو السماح للمشاعر بالتعبير عن نفسها وأخذ مجراها دون ربطها بفكرة، ودون مقاومة، والسماح للألم أن يحدث، قد يستغرق ذلك 20 دقيقة، أو ساعة، أو حتى عشرة أيام، ثم تفاجأ بأن الأمر مر كأنه لم يكن، وبأنه لم يكن الأمر يستدعي كبت الشعور كل تلك المدة. 

ما هي تحديدًا آلية السماح بالرحيل؟

يقول ديفيد هاوكينز في كتابه (السماح بالرحيل): "يتضمن السماح بالرحيل إدراك الشعور، والسماح له بالظهور، والبقاء معه، والسماح له بأخذ مساره دون الرغبة في جعله مختلفًا أو القيام بأي شيء حياله. إنه يعني ببساطة ترك الشعور موجودًا والتركيز على تفريغ الطاقة الكامنة وراءه.

- الخطوة الأولى هي السماح للشعور بالحدوث دون مقاومته أو التنفيس عنه أو الخوف منه أو استنكاره أو الوعظ عنه. إنه يعني التخلي عن الحكم وأن ترى أنه مجرد شعور. الآلية هي أن تكون مع الشعور وأن تتخلى عن كل الجهود لتعديله بأي شكل من الأشكال. تخلَّ عن الرغبة في مقاومة الشعور، المقاومة هي التي تحافظ على استمراره. عندما تتخلى عن المقاومة أو تحاول تعديل الشعور ، فسوف ينتقل إلى الشعور التالي ويصاحبه إحساس أخف، الشعور الذي لا يُقاوم سيختفي مع تبدد الطاقة الكامنة وراءه.

عندما تبدأ العملية، ستلاحظ أن لديك شعور بالخوف والذنب تجاه وجود مشاعر؛ ستكون هناك مقاومة للمشاعر بشكل عام. للسماح للمشاعر بالظهور، من الأسهل التخلي في المقام الأول عن المشاعر التي تأتي كرد فعل عن وجود شعور. والخوف من الشعور بالخوف هو خير مثال على ذلك. تخلص من الخوف أو الذنب الذي ينتابك بشأن هذا الشعور أولاً ، ثم ادخل في الشعور نفسه.

عندما تبدأ في السماح بالرحيل، تجاهل كل الأفكار. ركز على الشعور نفسه وليس على الأفكار. الأفكار لا حصر لها وتعزز نفسها بنفسها، ولا تولد سوى المزيد من الأفكار. الأفكار هي مجرد تبريرات للعقل لمحاولة شرح وجود الشعور. السبب الحقيقي للشعور هو الضغط المتراكم وراءه الذي يجبره على الظهور في الوقت الحالي. الأفكار أو الأحداث الخارجية ليست سوى ذريعة يتخذها العقل.

1 - التعرف على الشعور السلبي : والآن قم بتهدئة عقلك، فالأفكار ليست مفيدة في عملية السماح بالرحيل.  وهناك العديد من الطرق للقيام بذلك: كأن تتخيل أن الأفكار جهاز كهربائي يصدر ضوضاء وأنك تقوم بفصل التيار عنه، عندما تهدأ الأفكار ستشعر أنك أكثر انتباها لمحيطك. وطريقة أخرى هي أخذ الأنفاس العميقة والتركيز على النفس مع إرخاء الكتفين والمنطقة بين الحاجبين وعضلات البطن. وهناك العديد والعديد من الطرق الأخرى، جوهر الأمر هو تهدئة العقل والحضور في اللحظة الحاضرة.

2 - امسح كل الأفكار: ركز بهدوء على الشعور، ركز على التنفس مع مراقبة الشعور واسمح له أن يكون. هنا كل ما تفعله هو التنفس وتقبل الشعور بداخلك. لا يهم أين أنت؟ (المنزل ، العمل ، القيادة ، تتناول القهوة مع صديق) فقط انتقل من التنفس اللا واعي إلى الوعي. قد تكون الأحاسيس غير مريحة للغاية، هذا جيد. فقط تنفس واسمح للمشاعر أن تكون في مكانها. اترك الحاجة إلى تسمية الشعور. يمكننا استخدام الكلمة العامة: الأحاسيس. قد تلاحظ أن هذه الأحاسيس تبدأ في مكان محدد في جسمك وقد تكتشف أنها موجودة في كل مكان. ببساطة تنفس واسمح.

3 - تنفس في الأحاسيس واسمح لها أن تكون : استعدادك لتقبل الأحاسيس قد يكثفها، هذا جيد. استمر في التنفس والسماح، الأفكار ليست مطلوبة. مع أنفاسك ، ضع النية لقبول ما يحدث بداخلك. التنفس في الأحاسيس يحرر مقاومتك. المقاومة هي التي تسبب لك الألم، إن أفكارك حول الألم هي التي تجعلك عالقًا وغير راغب في تركه. استعدادك للتخلي عن الأفكار المتلاحقة  وتقبل ما يحدث هو تذكرتك للحرية الداخلية. في كل مرة تشعر فيها باضطراب في الداخل ، اخفض صوت الأفكار (أو افصل التيار) وتنفس في الأحاسيس واسمح لها بأن تكون. هذا هو كل ما عليك القيام به للسماح بالرحيل، بسيطة. يأتي التحدي في توخي اليقظة مع ترك كل السلبية - بلا استثناءات. بما في ذلك جرحك المفضل الذي تتلوه مرارًا وتكرارًا في المقابلات. تلك القصة التي تجلب لك الانتباه، قد يخبرك عقلك أنك قد لا تكون مثيرًا للاهتمام بدون تلك القصة أو ذلك الجرح. من الضروري أن تتخلى عن اللذات الصغيرة التي تجعلك تتمسك بالمشاعر الهدامة، والتي تعطيك شعورًا زائفًا بالقبول الاجتماعي.

4 - كرر عند الضرورة : من أجل المتعة ، تخيل عالماً قد سمح فيه كل الناس برحيل المشاعر الهدامة. أنت محاط بأصدقاء مبهجين ومبدعين ومحبين وحقيقيين للغاية. لا أحد يعاني من انقطاع الاتصال أو تدني احترام الذات. عندما تمنحهم الحياة صعوبات، يتعلمون الدرس بدلًا من الشكوى. عندما يتخطون أزمة، كل ما يبقى في الداخل هو عبارة ختامية غير ضارة ، "حسنًا ، لقد حدث هذا وقد تصرفتُ جيدًا" هذا العالم من الناس بلا عبء يعيشون بلا خوف. إنها مليئة بالطاقة. (ملاحظة: إذا شعرت بأي مقاومة حول تخيل هذا العالم حيث ترك الناس ، توقف عن القراءة واتركه الآن). كل ما يتطلبه الأمر لإنشاء عالم كهذا هو أن يكون شخص واحد على استعداد للسماح بالرحيل. عندما تفعل ذلك، سيشعر الآخرون بشجاعتك وستكون مصدر إلهام لهم لفعل الشيء نفسه.

إن عملية السماح بالرحيل فعالة بشكل لا يصدق رغم بساطتها، وعندما يبدأ الشخص في السماح بالرحيل يكتسب الأمر قوة وسرعة فيصبح السماح بالرحيل أسهل. وشيئًا فشيئًا تبدأ الغيمة السوداء المحيطة بك بالانحسار، ويومًا بعد يوم تشعر بالخفة والهدوء والسلام، وتصبح الحياة أخف وأكثر بهجة. 
-------------------------
تقرير – فدوى مجدي
من المشهد الأسبوعي