20 - 04 - 2024

طالبان افغانستان وطالبان مصر

طالبان افغانستان وطالبان مصر

"لاصحة لإلغاء حركة طالبان تعليم الفتيات، وكل ما فى الأمر أنه تأجل فتح المدارس بسبب ملابس الفتيات ولاتوجد مرتبات للمدرسات" ذلك ماتردده بعض الآراء التى تنتمى للتيار الدينى فى مصر على مواقع التواصل الاجتماعى، مقدمين لحكومة طالبان الاعذارويطالبون بضرورة منح طالبان الفرصة حتى وقوف افغانستان على قدميها . جاء ذلك بعد ان امرت الحركة بإعادة غلق مدارس الفتيات وعودتهن  الى المنازل .بعد  فتحها بضغط من الأمم المتحدة كما ورد فى مقال الكاتبة الصحفية جيهان عبد الرحمن  تحت عنوان "مارس شهر ربة القمر" والتى أشارت فيه إلى مدى الجرم الذى ارتكبته طالبان بغلق مدارس الفتيات باطلاق حجج واهية ان العقليات ليست مؤهلة للتعليم خاصة فى القرى والمناطق النائية، وان مدارس الفتيات ستظل مغلقة الى حين وضع خطة تتوافق مع الشريعة الاسلامية والثقافة الافغانية.

وكان الاستاذ مأمون الشناوى قد كتب مقالا على صفحته الخاصة تحت عنوان "وسوف يستمر سلسال الدم" معبرا عن مدى حزنه حين رأى فتاه افغانية تبكى بعد إجبارها على العودة الى المنزل بعد غلق مدرستها، فما ان كتب مقاله حتى انهال عليه الهجوم فى التعليقات بلغ حد التطاول والتراشق دفاعا عن طالبان وانه يتجنى علي الحركة، وان كل المشكلة عدم وجود ميزانية لفتح تلك المدارس. ومن السهل جدا الرد على مثل تلك الآراء: لماذا لم يطبق ذلك الغلق على مدارس الذكور وقصر ذلك على مدارس الفتيات فقط لماذا لم يتم تدبير مرتبات المدرسات، بينما تم تدبير مرتبات المدرسين فى مدارس الذكور وتم اعداد مدارسهم بشكل جيد؟. 

فى اعتقادى أن طالبان إن كانت فعلت ذلك، فلأنها تعتبرالمرأة الحلقة الاضعف فى المجتمع الافغانى الذى ينظر لتعليم  المرأة نظرة هامشية دونية  للنيل منها حتى تظل فريسة سهلة للجهل، فطالبان تضع الحجج والعراقيل حتى تنفذ برنامجها الاقصائى للمرأة، المبني على تجهيلها والاكتفاء بالتعليم الدينى وعدم مشاركتها فى الحياه العامة ومنع خروجها للعمل وعدم ارتيادها أي مكان إلا بمحرم .

ولو بحثنا عن فكر أصحاب تلك الاقلام المصرية على صفحات التواصل الاجتماعى التى تدافع عن  طالبان، لوجدنا أنها لاتختلف كثيرا عنها فى نظرتهم للمرأة المسلمة ومن الطبيعى ان يقفوا فى صف حركة طالبان ويساندونها ويدافعون عنها. ولو تعمقنا أكثر سنجد أن اصحاب تلك الاقلام يستمدون فكرهم من قياداتهم الدينية فى مصر، سواء الإخوان الذين يطالبون بالاكتفاء بتعليم الفتيات مايناسب طبيعتهن، كما ورد فى أدبيات الشيخ حسن البنا وسيد قطب والشيخ عمر التلمسانى وقياداتهم، وكما نلاجظه فى سلوكيات السلفيين الذين وضعوا وردة بدلا من صورة المرأة، كما شاهدت فيديو للشيخ الحوينى وهو يحرم على المرأة العلم بقوله "ما للمرأة والعلم . المرأة جاهلة". يرى الشيخ حسن البنا أنه وفقا لاختلاف كينونة المرأة عن الرجل، فلا يجب ان تتعلم شيئا غير الدين وما تحتاجه من الكتابة والحساب، أما بقية العلوم كالتبحر فى اللغات والفن ودراسة الحقوق والقوانين فعبث لاطائل منه، وضرورة الاكتفاء بتعليمها القدر الذى يتناسب مع كينونتها كامرأة. كما يرى الشيخ حسن البنا حرمة مزاولة المرأة العمل العام وضرورة التزامها البيت وتجنيب المجتمع فتنة الخروج، وكما يقول الشيخ حسن البنا أيضا "إن الإسلام حرم على المرأة أن تكشف عن بدنها وأن تخلو بغيرها وأن تخالط سواها ويحبب اليها الصلاه فى بيتها" ويعتبر الشيخ حسن البنا أن النظرة سهم من سهام ابليس وينكر على المرأة أن تحمل قوسا متشبهة فى ذلك بالرجل"وذكر الشيخ حسن البنا ايضا ان الاسلام يرى للمرأة مهمة طبيعية اساسية هى المنزل والطفل فهى كفتاه يجب ان تتهيأ لمستقبلها الأسرى وهى كزوجة يجب ان تخلص لبيتها وزوجها وهى كام يجب ان تكون لهذا الزوج ولهؤلاء الأبناء."  

ولو عقدنا مقارنة أفكار تلك القيادات بفكر أبو الأعلى المودودى عن تعليم المرأة، والذى يعتبر الأب الروحى للشيخ سيد قطب وبأفكار الشيخ حسن البنا، بل إن الكاتب الإخوانى راغب السرجانى أعد دراسة وافية يشيد فيها بفكر أبو الأعلى المودودي، الذى يرمى إلى إقصاء النساء وتعليمهن بالقدر الذى يناسب كينونتهن وتواريهن خلف الجدران، لأنهن عنوان للفتنة والإغراء وأنهن خلقن كمتاع للرجل. ويفرق أبو الأعلى المودودى بين مجالات تعليم الرجل ومجالات تعليم المرأة، فيرى أن تدرس المرأة بصفة خاصة علوما تجعلها صالحة للقيام بعملها فى دائرة نشاطها على أمثل وجه وأكمله ولاتكون ثقافتها عين ثقافة الرجال. 

إلا أن أبو الأعلى المودودى يعتبر متطورا جدا بالنسبة لتعليم المرأة اذا ماقورن بالشيخ حسن البنا، حيث جعل مجالات التعليم بالنسبة للمرأة أوسع بكثير منه، فالشيخ حسن البنا حدد مجالات التعليم بالنسبة للمرأة فى التمريض والتدريس والاكتفاء بالقدر القليل من التعليم بما يخدم دينها. وهذا ما لاحظته عند النساء الإخوانيات ممن ينتمين للفكر القطبى داخل جماعة الاخوان المسلمين وهو الاكثر تشددا، فالنساء يكتفين بالدراسة فى الجامعة فى مجالات معينة كرياض الأطفال أو الاقتصاد المنزلى فقط ولايكملن اي دراسات عليا كما يمنعن الالتحاق بكلية الطب على حد زعمهن أنهن سيضطررن إلى رفع أكمامهن لتعقيم أيديهن أمام زملائهن الرجال. ولا أدرى ما الحجة؟ أليس هناك كلية طب للبنات فى جامعة الأزهر؟

والسؤال هنا.. لماذا لجأ كل هؤلاء إلى مثل تلك الآراء ووضع المرأة فى إطار الفتنة والشهوة رغم عدم وجود ذلك فى الدين ورغم احتواء تراثنا الاسلامى على نماذج عديدة مشرفة لنساء لم يتم فيها اقصاء المرأة، فهناك فى الحقل الطبى الطبيبة المصرية فاطمة بنت شهاب الدين ابن الصائغ الحنفى وقد تولت الطب فى مصر، وفى مجال الغناء تولت نقابته ضامنة المغانى، كما ورد فى مقال الاستاذ مختار خواجة بالجزيرة أن سيدنا عمر بن الخطاب قد عين الشفاء مديرة للسوق، وهناك أم المؤمنين السيدة حفصة والتى حفظت المرجع الرئيسى لنسخ القرآن الكريم. 

وللإجابة على ذلك سنجد أن الحاكمية هى آفة التطرف، فمثل تلك الآراء الشاذة والتى لاتتناسب مع قيم الاسلام، مرجعها اعتماد التيارات الدينية المتطرفة المعاصرة على نفس مفاهيم القيادات المتشددة أمثال المودودى والشيخ حسن البنا وسيد قطب كالحاكمية، باعتبار مثل هؤلاء هم وكلاء الله فى الأرض وأنهم وحدهم مفوضين بتقنين وتفسير شرع الله دون غيرهم. أيضا سنجد أن الآراء المتطرفة وليدة فترات الاضمحلال والتبعية، حيث تبنت تلك القيادات هذه الاراء التى وردت فى كتب الفقه الاسلامى التى كتبت فى فترات اضمحلال وضعف التاريخ الاسلامى وهى شبيهة للفترات الضعيفة فى وقتنا الحالى من الاستعمار والتبعية للغرب. وأخيرا فكل هؤلاء سواء طالبان أفغانستان أو الحركات الاسلامية الحديثة بوجه عام مثل بوكو حرام يلجأون إلى تقييد حق المرأة فى التعلم وهو خطاب إقصائى للمرأة من الحياة الاجتماعية.
----------------------------
رؤية: هدى مكاوى

مقالات اخرى للكاتب

قاتل الأنبا أرسانيوس بالاسكندرية ليس مختلا عقليا





اعلان