هل كان سيدنا موسى ويوسف ويحيى -عليهم السّلام أجمعين- زناة فاسقين؟!!!
أعلمُ أن السّؤال مفاجيء وصادم بل ومفجع؛ وقد يعتبره البعض تطاولًا... لكن سبب الطّرح أنّي تذكرتني في مرحلة الجامعة؛ حين بدأت أنتبه لمشاهدة الأفلام الأجنبية والتي لم أكن من مريديها في الصّغر على عكس إخوتي.
ولأنّي أميل للأفلام الوثائقية والتّاريخية والدّراما بشكل عام؛ فكان حظي أن شاهدت 3 أفلام متتالية للأنبياء الكرام الثّلاثة... وكان أهم انطباع خرجت منه شعوري بالاشمئزاز تجاههم !!! -رغم توقيرهم الرّاسخ بعقلي ونفسي منذ النشأة- لكن للشاشة سطوة على المُخيلة لا ننكرها، ونظرًا لكون الأفلام قد صورتهم: زُناة؛ عُراة؛ فاسدين؛ يسعون وراء شهواتهم في الحرام... فقد سقطتْ هيبتهم في نفسي بكل أسف.
في حالٍ من اللومٍ الشديد... ظللت فترة أقاوم تلك المشاعر البغيضة تجاه الأنبياء المعصومين المُصطفِين... وكي أخرج من تلك المحنة بحثت في الكتب والقرآن الكريم عن ثناء الله على أنبيائه لأمحو ما علق بذهني من تشوهات؛ وأضع صورة جديدة حقيقية بدلًا منها.
فعن سيدنا "يحيى" وجدته تعالى قد بشّر نبيه "زكريا" بابن لم يُسمّى أحد باسمه من قبل؛ وجعله: مُصدقًا، وسيدًا وحصورًا، ونبيًّا ومن الصّالحين، وأتاه الحُكم صبيًّا، وكان تقيًّا، ولم يكن جبارًا عصيًّا، وألقى عليه سلامًا يوم وُلد ويوم يموت ويوم يُبعث حيًّا.
وعن موسى -عليه السّلام- قال تعالى أنه: كان مخلصًا، وقربناه نجيًّا، وأنه اختاره، واصطفاه على النّاس، وألقى عليه محبته، واصطنعه لنفسه، وكلّمه الله تكليمًا، وصنعه على عينه أي بحفظه سبحانه وحراسته.
أما "يوسف" والذي لاحقته العناية الإلهية مذ صغره؛ وأتاه الله شَطر الجَمال فقد قال عنه: وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك، ويتم نعمته عليك... وبارك في قميصه فرُد بَصرَ والده النّبي "يعقوب" -عليه السلام- حين أُلقِي على وجهه، وقول إخوته له واعترافهم: لقد آثَركَ الله علينا.... وغيرها من الآيات.
بدأت الصّورة تختلف تمامًا في ذهني.. ولكن من وقت لآخر كانت تطفو مشاهد تلك الأفلام على سطح الذّاكرة... وكأن العقل يأبى أن يتطهر من ذلك الدّنس وتلك الخطيئة التي ارتكبتها بغير قصد؛ رغم طيب النّيات والرّغبة في المعرفة.
منذ ذلك الوقت أخذت عهدًا على نفسي بألا أشاهد أفلامًا تاريخية تحديدًا تخص ديننا أو أنبياءنا أو أية أحداث تاريخية قديمة أو معاصرة ( لكنّي مازلت أشاهد أفلامًا تخص تاريخ أوروبا أو الخيال العلمي ولذلك حديث آخر)... لأن ما يقدم أمامي على الشّاشة تتدخل فيه معايير كثيرة تفسد وتشوه العمل أو تجعله منحازًا.
من تلك المعايير: وجهة نظر "الكاتب" ومدى أمانته في نقل الصّورة؛ واتجاهاته الفكرية؛ ومعلوم أن قناعاته وثقافته يوجهانه ولا وجود أبدًا لشعار: "الموضوعية"، يليه "كاتب السّيناريو والحوار" الذي يدلي بدلوه ويضفي علينا من تصوراته كيفما يحلو له أو يقتضي السّياق؛ وكذلك "المخرج" الذي يضع ويغير ويبدّل الأحداث، ثم "الممثل" من حيث عمره؛ وتكوينه الجسدي؛ وهيئته؛ وقدرته "التي ستبقى راسخة بمخيلة المُتلقي"؛ بل وتاريخه الفني؛ وسُمعَته؛ ومكانته لدى الجماهير؛ ولغته؛ وثقافته؛ وانتماءاته، و"أماكن التّصوير" و"زوايا الكاميرا"... وغيرها من مفردات العمل الفني والتي يفهمها الاختصاصيون أكثر مني.
يأتي بعد كل هذا "شباك التّذاكر" و"شركات التّوزيع" والأسواق المحلية أو العالمية المستهدفة، والجماهير التي يغازلها المنتج ليحقق أرباحًا عالية؛ وذلك كله يقتضي اللعب ببعض الأحداث لإرضاء وجذب المشاهدين... أضف إلى ذلك نظام الحُكم؛ والحياة السّياسية والثّقافية والاجتماعية؛ ومدى الحرية المتاح من عدمها؛ والأفكار التي يموج بها ذلك العصر الذي يتم صنع الفيلم فيه... وعوامل أخرى كثيرة تجعلنا بلا شك أمام فيلم يحيد بنسبة فائقة بل ومدهشة عن الحقيقة.
الخلاصة: أن الدّراما تلعب دورًا بالغ الخطورة في تشكيل الوعي، والتّأثير على المجتمع وقيمه وأفكاره وقناعاته بل وسلوكياته، ليس لجيل واحد بل لأجيال قادمة، وتزييف الوعي أو انحيازه أو حتى تحييده... يعني الميل بكفة المجتمع نحو منحى خطر قد يورث أوضاعًا ومواقف وعلاقات شديدة التّوتر على مستقبل الأوطان، وكم من حلقات درامية شاهدناها حولت الملوك والأمراء والعباد الزّهاد لشياطين مارقين، وحولت راقصات وعاهرات إلى صاحبات فضيلة يحتذى بهن؛وألبست على البعض مسوح بطولة لا يستحقها !!!
ولأنّي أعمل بالصّحافة منذ سنوات طويلة؛ فقد شاهدت أحداثًا رأي العين، وعند كتابتها ونشرها وتداولها تصطبغ بصبغة مختلفة لأسباب كثيرة -لا مجال لشرحها الآن- بل وعشنا جميعًا وقائع يتم طرحها والجدال حولها مستمر ويتم تدريسها بطريقة مغايرة تمامًا !!! ومايزال يختلف في كتابتها المحللون، فما بالنا بتاريخ أحداث وشخصيات مضت عليها قرون وقرون؛ فيجيء أحدهم ليمسك القلم والقرطاس فيكتب رواية أو سردًا هو نفسه لم يعشه !!!
والحل؟ الحل قطعًا الاتجاه للقراءة، القراءة لكافة وجهات النّظر لكتب عربية أو أجنبية؛ للمؤيد وللمعارض؛ للمُحب وللكاره؛ أو مشاهدة حلقات وبرامج متخصصة من مصادر موثوق بها سواء اتفقتَ معها أو اختلفت؛ أو حضور مجالس للمُختصين؛ تليها مرحلة إعمال العقل والفرز والتّمحيص و"غربلة" المعلومات التي حصّلها الدّماغ، لتأتي بعد ذلك مرحلة الصّورة الرّاسخة التي يركن إليها العقل والقلب والوجدان... وفي عين الوقت تتواصل عملية القراءة والاطلاع مع استعداد تام بالنّفس لتغيير بعض القناعات إذا لزم الأمر أو إذا اطلعتَ عما يقنعك ويغير ما ترسّخ في ذهنك.
أما لماذا أتخذ موقفًا من التّلفاز والسّينما ولا أشاهدهما مطلقًا منذ أكثر من عشرين عامًا فللإجابة حديث آخر بإذن الله.
-----------------------------
بقلم: حورية عبيدة