18 - 05 - 2025

مؤشرات | الفقراء ضحايا الأزمات الإقتصادية

مؤشرات | الفقراء ضحايا الأزمات الإقتصادية

في دراسة لصندوق النقد الدولي عن الإقتصاد العالمي ، واقتصاد الدول الناشئة والفقيرة بشكل أخص، قال فيما يمكن تسميته بإعترافات، لقد عاد التضخم مرة أخرى، وهو يلحق الضرر بالجميع، إذ أدى تزايد النشاط الاقتصادي، واضطراب سلاسل الإمداد، والارتفاع الحاد في أسعار السلع الأولية معاً في عام 2021 إلى دفع التضخم العالمي إلى أعلى مستوياته منذ عام 2008.

وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، بلغ التضخم أعلى معدلاته منذ عام 2011، حيث يتجاوز اليوم المستويات المستهدفة في أكثر من نصف هذه الاقتصادات التي لديها إطار لتحديد أهداف التضخم.

وربط الصندوق بين ما يشهده العالم حاليا وما يجري من حرب بين روسيا وأوكرانيا، بدعم دولي أمريكي وغربي، موضحا أنه مع اندلاع الحرب في أوكرانيا تتجه الأمور بوتيرة متسارعة من سيئ إلى أسوأ أو مروع، فقد شهدت أسعار المواد الغذائية والوقود ارتفاعاً حاداً، إذ تُعد روسيا وأوكرانيا مصدّرين رئيسيين للعديد من السلع الأساسية بما في ذلك الغاز والنفط والفحم والأسمدة والقمح والذرة والزيوت النباتية. 

وتعتمد العديد من الاقتصادات في أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا اعتماداً شبه كامل على روسيا وأوكرانيا للحصول على وارداتها من القمح، وفيما يتعلق بالبلدان الأقل دخلاً، قد يؤدي اضطراب الإمدادات، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار، لزيادة التعرض لخطر الجوع وانعدام الأمن الغذائي، وقد يتسبب اضطراب سلاسل الإمداد في تفاقم الضغوط التي تنجم عن التضخم على نطاق واسع. 

ولا شك أن الدول الفقيرة هي الأكثر تأثرا بهذا السوء من الأوضاع الإقتصادية، فوفقا لإعترافات الصندوق، تعاني الأسر الأفقر من معدلات تضخم أعلى مما تتعرض له الأسر الثرية.

وفي حسابات الإقتصاد يتم حساب مقاييس تضخم أسعار المستهلك باستخدام سلة السلع التي تمثل استهلاك الشخص العادي، إلا أن التركيبة الفعلية للإنفاق تختلف اختلافاً كبيراً حسب شرائح الدخل، على سبيل المثال، تنفق الأسر الأقل دخلاً في بلدان الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية نحو 50% من دخلها للحصول على المواد الغذائية، أما الأسر الأعلى دخلاً، فلا تتجاوز نسبة إنفاقها على المواد الغذائية 20% من دخلها. 

ومن المهم أن نشير هنا إلى أن التحليلات الإقتصادية، تؤكد أن الفقراء هم عادة الضحايا في الأزمات الإقتصادية، فيمكن أن تُحدث الزيادة الأخيرة في أسعار الغذاء والطاقة تأثيراً غير متناسب على الأسر الأشد فقراً، بينما في أوقات الأزمات الاقتصادية، يمكن للأسر مرتفعة الدخل التحول بسهولة من سلع أعلى جودة إلى سلع أقل جودة، ويمكنها أيضاً الاستفادة على نحو أكبر من الخصومات على عمليات الشراء والمبيعات بالجملة، فيما لا تتاح هذه الخيارات للأسر الفقيرة، خصوصا في الدول الأشد فقرًا، وهو الوقع الذي نعيشه في تداعيات أزمة أوكرانيا.

في الاقتصادات المتقدمة، تعتمد الأسر منخفضة ومتوسطة الدخل في العادة على الدخل من الأجور ومدفوعات التحويلات على نحو أكبر من اعتماد الأسر الأكثر ثراءً عليها، وغالباً ما يتجاوز تضخم الأسعار النمو في الأجور والتحويلات، في حين قد يكون من الأرجح أن يواكب الدخل من العمل الحر والدخل من الاستثمار معدلات التضخم. 

على هذا النحو، يمكن للتضخم أن يقلل من دخل الأسر الأفقر مقارنة بدخل الأسر الأكثر ثراءً، ويتشابه هذا الوضع بين اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. ففي البرازيل، على سبيل المثال، يمثل الدخل من العمل الحر ومن الاستثمار نسبة أكبر من دخل الأسر مرتفعة الدخل مقارنة بنسبته في دخل الأسر منخفضة ومتوسطة الدخل، على الرغم من ذلك، تعتمد الأسر الأشد فقراً أيضاً على الدخل غير النقدي.

ولكن وفقا لدراسات صندوق النقد "الاعترفية" ففي بعض الاقتصادات الصاعدة والاقتصادات النامية، ينطوي ارتفاع أسعار المواد الغذائية على احتمال تحقيق فائدة لشريحة كبيرة من الفقراء. 

وتشير الأرقام إلى أنه وفي الاقتصادات النامية المتوسطة، يعمل أكثر من خُمس عدد الأسر – التي توجد حول خط الفقر أو تحته - في مجال بيع المواد الغذائية ولا يشترونها، ومن ثم فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية قد يصب في مصلحتهم. 

وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الغالبية العظمى من الفقراء في الاقتصادات النامية من المشترين للمواد الغذائية ولا يبيعونها، لذلك تؤدي الزيادات الحادة في أسعار الغذاء إلى زيادة معدلات الفقر بصفة عامة.

يبقى التأكيد على أن الفقراء هم دائما من يدفعون ثمن الأزمات في العالم، بما فيها من أزمات سياسية، وما يتبعها من أزمات إقتصادية.
-----------------------------
بقلم: محمود الحضري
من المشهد الأسبوعي

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | جولة ترامب والتريليونات والتطبيع .. والباقي وعود