25 - 05 - 2025

في ذكري عبدالحليم حافظ .. 45 عاما على وفاة فنان ملأ القلوب فمنحته حياة أخرى بعد الرحيل

في ذكري عبدالحليم حافظ .. 45 عاما على وفاة فنان ملأ القلوب فمنحته حياة أخرى بعد الرحيل

تمر علينا اليوم ذكري مرور 45 عاما على وفاة العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ ، من استطاع أن يغير نمط الموسيقي والغناء كاملا في مصر، من تعلمنا علي يده معني الصبر والعطاء والإحساس والعطف، لم يستطع المرض كسره ووقفه، عاش حليم 47 عاما محملة بسلسة من الأوجاع والآلام والصفعات ومات عدة مرات ولكن تأجل إعلان الوفاة إلى مارس 1977. 

عندما سئل توفيق الحكيم عنه قال:"كنت كلما سمعت عبدالحليم حافظ في الراديو أو التليفزيون، أقول في نفسي هذا هو الصوت القطيفة، ثم راقبته بعد ذلك وهو يغني فوجدت أن الصوت لا يخرج من فمه كأغلب المطربين، ولكنه يصعد مباشرة من أعماق قلبه، لذلك فإن صوت هذا المطرب لا يملأ الأذان ولكنه يملأ القلوب".

ولد في قرية الحلوات التابعة لمركز الإبراهيمية محافظة الشرقية، وهو الابن الأصغر من بين أربعة إخوة، توفيت والدته بعد ولادته بأيام وقبل أن يتم عامه الأول توفي أيضاً والده، ليعيش حليم يتيم الأب والأم في بيت خاله الحاج متولي عماشة.

وبسبب لعبه صغيراً مع أولاد عمه في ترعة القرية، أصيب بمرض البلهارسيا الذي دمّر حياته بالكامل. 

ومن حسن حظ حليم أنه كان الإبن الرابع وكان أكبر إخوته هو إسماعيل شبانة مطرباً ومدرساً للموسيقى في وزارة التربية والتعليم ، وكان حليم يرغب أن يصبح مطربا مثله ولكن رفضت أسرته وكانت تريده أن يصبح طبيبا أو مهندساً، فالتحق حليم بالكتاب والمدرسة ولكن كانت تجمعه جلسات بأخيه ويقص عليه من الأغاني والموسيقي ما يريد ومن كثرة شغف العندليب الأسمر بالموسيقى أصبح رئيسا لفرقة الأناشيد في مدرسته. وسرعان ما التحق بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين عام 1943.

ثم التقى بالفنان كمال الطويل، وكان فى ذلك الوقت طالبا في قسم تلحين، وكمال في قسم الغناء والأصوات، ودارسا معا في المعهد حتى حصل على دبلوم المعهد العالي للموسيقى العربية عام 1949 وبدأ يعد نفسه لاختبارات الإذاعة.

ورشح للسفر في بعثة حكومية إلى الخارج لكنه ألغى سفره وعمل 4 سنوات مدرساً للموسيقى بطنطا ثم الزقازيق وأخيرا بالقاهرة. ولكنه لم يستمر، حيث قدّم استقالته من التدريس والتحق بعدها مباشرةً بفرقة الإذاعة الموسيقية عازفا على آلة الأوبوا عام 1950.

ومن هنا يتقابل حليم مع مجدي العمروسي في 1951 في بيت مدير الإذاعة في ذلك الوقت الإذاعي فهمي عمر. 

اكتشف عبد الحليم شبانة الإذاعي حافظ عبد الوهاب الذي سمح له باستخدام اسمه "حافظ" بدلا من شبانة.

 وفي أغسطس 1952 غنّى حليم «صافيني مرة» من كلمات سمير محجوب، وألحان محمد الموجي ولكن رفضتها الجماهير بسبب أن هذا اللون لم يكن معروفاً وقتها، لكنه أعاد غناءها في يونيو عام 1953، يوم إعلان الجمهورية، وحققت نجاحاً كبيراً، 

في 18 يونيو، 1953 أحيا عبد الحليم حفلة أضواء المدينة بحديقة الأندلس فيما يعتبر بأنها حفلته الرسمية الأولى، والتي كانت أيضا أول احتفال رسمي بإعلان الجمهورية. ثم قدّم أغنية "على قد الشوق" كلمات محمد علي أحمد، وألحان كمال الطويل في يوليو عام 1954، وحققت نجاحاً ساحقاً وغير مسبوق. مع بداية عام 1956، بدأ  الجمهور يلاحظ أن نبرة التفاؤل بدأت تختفي من أغانيه تدريجياً، وتحل محلها نبرة الحزن.

بالإضافة إلى أنه قدم عبدالحليم عدة أغاني الوطنية أولها "العهد الجديد" سنة 1952 وهو أول نشيد وطني غناه عبد الحليم حافظ في حياته، من كلمات محمود عبد الحي وألحان عبد الحميد توفيق زكي، وقد غناها عبد الحليم بعد قيام ثورة 23 يوليو ومن ثم توالت اغاني حليم الوطنية وقدم عدة أغنيات امثال "إحنا الشعب" التي غناها للرئيس جمال عبد الناصر بعد اختياره شعبياً لأن يكون رئيساً للجمهورية سنة 1956، بالإضافة إلى أغنية الله يا بلدنا - على ارضها - أغنية المسيح - ابنك يقولك يا بطل - نشيد الوطن الأكبر - حكاية شعب" بالإضافة إلى عدة أغنيات أخري. 

كما قدم حليم عدة ابتهالات دينية وهي "نفضت عينيا المنام - أنا من تراب - على التوتة - أدعوك يا سامع الدعاء" وأخريات. 

وجاءت كلها من كلمات الشاعر عبد الفتاح مصطفي، وألحان محمد الموجي.

في عام 1955 شهد عرض أربعة أفلام كاملة للعندليب، فيما وصف بأنه عامه الذهبي سينمائياً.

وكان قد قدم في السينما ستة عشر فيلماً سينمائيا أشهرها " أيامنا الحلوة - ليالي الحب- معبودة الجماهير - أبي فوق الشجرة".

بعد حرب 1967, غنى في حفلته التاريخية أمام 8 آلاف شخص في قاعة ألبرت هول في لندن لصالح المجهود الحربى لإزالة آثار العدوان. وقد قدّم عبد الحليم في هذا الحفل أغنية المسيح، كلمات عبد الرحمن الأبنودي وألحان بليغ حمدي، وغنّى في نفس الحفل أغنية عدى النهار، وهي أيضاً للأبنودي وبليغ، وهي واحدة من أبرز أغاني حفلات عبد الحليم على مدار تاريخه الطويل.

وايضا قام عبد الحليم ببطولة المسلسل الإذاعي "أرجوك لا تفهمني بسرعة" سنة 1973، وهو المسلسل الوحيد الذي شارك فيه عبد الحليم كبطل للحلقات، وذلك برفقة نجلاء فتحي وعادل إمام قصة محمود عوض وإخراج محمد علوان.

جمعته علاقة متينة بكبار الملحنين المصريين امثال محمد الموجي وكمال الطويل ثم بليغ حمدي، كما جمعته عدة أغاني شهيرة من ألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب مثل: أهواك، نبتدي منين الحكاية، فاتت جنبنا.

وقد غنى للشاعر الكبير نزار قباني أغنية قارئة الفنجان ورسالة من تحت الماء والتي كانت من ألحان الكبير محمد الموجي.

وبخصوص أغنية قارئة الفنجان فشلت هذه الأغنية في حفلها الأول وبالرغم من أن حليم  بذل فى الإعداد لها وفى بروفاتها مجهوداً خارقاً تعرض بسببه للنزيف القاتل عدة مرات، وجمع فيها كل عناصر النجاح سواء كلمات الشاعر الكبير نزار قباني أو لحن العبقري محمد الموجي  الذي تم التحفظ عليه لحين الانتهاء من لحنها.

وما أن بدأ عبد الحليم بالغناء فى ذلك الحفل حتى إنطلقت الصفافير وبدأ الرقص فى منتصف الصالة مما اضطره لترك الغناء للتفرغ لتنظيم الجمهور وعندما فاض به الكيل صرخ فى هذا الجمهور المزيف الغريب قائلاً جملته الشهيرة "ماأنا كمان باعرف أصفر وأزعق ! وصعد أثناءها إلى المسرح شخص من الصالة حاملاً معه بدلة عجيبة ذات ألوان فاقعه ومرسوم عليها أربع فناجين قهوة وكان مصراً على أن يرتديها عبد الحليم. 

لم يصدق العندليب أن هذا هو جمهوره وتخيل أن المطربة وردة الجزائرية هى التى بعثت بهؤلاء البلطجية لكى يفسدوا حفله وظل حتى آخر لحظة من حياته مقتنعاً بأنها مؤامرة. وتأكد عبدالحليم وقتها أن الجمهور أصبح لا يعترف بشيء إسمه المجهود أو الكفاءة وظل متأثراً إلى آخر لحظه في حياته. 

كان صديقاً للزعماء الحبيب بورقيبة، والحسن الثاني، والملك حسين.

كان عبد الحليم يحلم بتقديم قصة «لا» للكاتب الكبير مصطفى أمين على شاشة السينما ورشح نجلاء فتحي لبطولتها ولكن القدر لم يمهله.

 قدم 3 برامج غنائية هي: «فتاة النيل» للشاعر أحمد مخيمر وألحان محمد الموجي وإخراج كامل يوسف و«معروف الإسكافي» للشاعر إبراهيم رجب وألحان عبد الحليم علي وإخراج عثمان أباظة، «وفاء» للشاعر مصطفى عبد الرحمن وألحان حسين جنيد وإخراج إسماعيل عبد المجيد.

قدم عبد الحليم أكثر من مئتين وثلاثين أغنية، وقام مجدي العمروسي، صديق عبد الحليم حافظ، بجمع أغانيه في كتاب أطلق عليه " كراسة الحب والوطنية...السجل الكامل لكل ما غناه العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ " تضمنت غالبية ما غنى عبد الحليم. 

وبخصوص مرضه أصيب العندليب الأسمر بتليف في الكبد سببه مرض البلهارسيا، وكان هذا التليف سبباً في وفاته عام 1977م وكانت أول مرة عرف فيها العندليب الأسمر بهذا المرض عام 1956م عندما أصيب بأول نزيف في المعدة وكان وقتها مدعواً على الإفطار بشهر رمضان لدى صديقه مصطفى العريف..

وتوفي يوم الأربعاء في 30 مارس 1977 في لندن عن عمر يناهز السابعة والأربعين عاماً، والسبب الأساسي في وفاته هو الدم الملوث الذي نقل إليه حاملاً معه التهاب كبدي فيروسي لفيروس سي الذي تعذر علاجه مع وجود تليف في الكبد ناتج عن إصابته بداء البلهارسيا منذ الصغر كما قد أوضح فحصه في لندن، ولم يكن لذلك المرض علاج وقتها وبينت بعض الآراء أن السبب المباشر في موته هو خدش المنظار الذي أوصل لأمعائه مما أدى إلى النزيف وقد حاول الأطباء منع النزيف بوضع بالون ليبلعه لمنع تسرب الدم ولكن عبد الحليم مات ولم يستطع بلع البالون الطبي.

وحزن الشعب المصرى جميعا حزناً شديداً عليه حتى أن بعض الفتيات من مصر انتحرن بعد معرفتهن بهذا الخبر، و تم تشييع جثمانه في جنازة مهيبة لم تعرف مصر مثلها سوى جنازتي الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والفنانة الراحلة أم كلثوم سواء في عدد البشر المشاركين في الجنازة الذي بلغ أكثر من 2.5 مليون شخص، أو في انفعالات الناس الصادقة وقت التشييع.

وفي الأخير نختم بمقولة نجيب محفوظ "العظماء لا يرحلون إلا بأجسادهم فقط.