مع موجات القلق التي تنتاب البيوت والقلوب من حين لآخر، تطرح تساؤلات حائرة حول مستقبل الأولاد والبنات في زمن صعب ظروفه الاقتصادية وأحواله الأخلاقية وأوضاعه الاجتماعية، وهي تساؤلات جد صعبة تتنوع اجاباتها بحسب تنوع البيئات والامكانيات ولكن تبقى إجابة مختصرة وشاملة من وجهة نظرنا وهي :" الآثر الطيب".
وقد يكون الأثر الطيب، ذكريات طيبة ايجابية، ومعاملات حسنة، وسمعة ناصعة البياض، ومكارم أخلاق وكرم ، وتدين جميل بشوش، وحرية راشدة مبصرة كما قد يكون مالا أو عقارا أو ذهبا أو حيازات.
ولكن المهم في وجهة نظرنا المنحازة لمفهوم الأثر الطيب :ماذا تركنا في قلوبهم وضمائرهم وعقولهم كي يستخدموا ما تركناه على نحو أفضل في الدنيا والآخرة؟
من هنا قد نبدأ الطريق، لضبط بوصلة مهمة في وعي الأسر والعائلات في ظل أي ظروف ، فمن صحت بدايته طابت حياته وأشرقت أيامه وحسنت خاتمته وتجدد بالخيرات ذكره.
إن نقطة البداية تكون في التربية الخلقية الإيجابية، فمن شب على شيء شاب عليه، وقد ثمن الفيلسوف سقراط هذه البداية قائلا :" التربية الخلقية أهم للإنسان من خبزه و ثوبه"، مع الاخذ في الاعتبار حتى لا نقع أسرى للمثالية ، ما قاله المفكر الراحل مصطفى السباعي :" الدين لا يمحو الغرائز ولكن يروضها، والتربية لا تغير الطباع ولكن تهذبها".
ويرافق التربية ثقافة تحمل المسؤولية ، وهو ما نصح به الفليسوف "جان جاك روسو": " التحمل هو أول شئ يجب على الطفل تعلمه… وهذا هو أكثر شئ سيحتاج لمعرفته"، حتى لا يكون اعتماد الأطفال على عوائلهم كليا مانعا طاقاتهم وجهودهم ووجودهم ، وبالتالي عندما يكبروا يكون لديهم خبرات تمكنهم من تجاوز صعوبات الحياة.
والأطفال تحت هذه المظلة يحتاجون إلى نماذج أكثر منهم إلى نقاد، فكما يكون الأب يكون الابن، وكما تكون الأم تكون الابنة، إلا ما شاء الله، وهو ما يلقي بظلاله المهمة على عقلية الوالدين التي تتطلب استمرار رحلة الوعي واضعين نصب أعينهم قوله تعالى :" وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافًا فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديدًا".
كما يفرض هذا الاتجاه على وسائل الإعلام والتعليم كذلك أن تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والوطنية في المساهمة في صنع قدوات ايجابية للأولاد والبنات، وليس عذرا أن القبيح صوته أعلى وقدراته أوسع، فالعملة الجيدة ستطرد الرديئة يوما ، ولكن المهم هو استمرار الوعي.
ومع هذا كله، وغيره، لا ينبغي أن يترك الأولاد في مهب ريح العوز والفقر، وكلما كان ذلك ممكنا ومتيسرا كان سترا وغطاء لهم من عواقب المستقبل المبهم، وفي الفقه الإسلامي سؤال متكرر عن هذا، وكانت الإجابة ذات مضمون واحد :" ترك الورثة أغنياء خير من تركهم فقراء"، وفي هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :"إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ".
إن شهر رمضان المبارك الذي يحل بعد أيام – كل عام وأنتم بخير- فرصة لنترك في أبنائنا ثمرة من ثمار المستقبل، برا وصلة رحم ومكارم أخلاق وتقربا إلى الله عز وجل ، مع إشراكهم المتدرج في تحمل المسئوليات الرمضانية ولو بسيطة، ومن بدأ لم يتأخر، من أجل غد أفضل.
-----------------------
بقلم : حسن القباني