قلناها منذ سنوات فى مجلس الشورى وفى مؤاتمراتنا وندواتنا وبأعلى صوت أن امريكا تنهب العالم عن طريق الدولار، وأن تكلفة قيمة الدولار على الخزانة هى قيمة الأحبار وورق البنكنوت وأجرة العاملين الأمريكيين فى مطابع الدولار!! وفى الحرب الروسية الأوكرانية تحدث الرئيس "بوتين" عن سرقة أمريكا للعالم ... فماذا كان يقصد من ذلك ؟!!
العالم يعيش منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ويتعايش مع أكبر جريمة اقتصادية في التاريخ تحقق بها امريكا الهيمنة على الاقتصاد العالمى .. وأصبحت عملتها الدولار هى مقياس الاقتصاد العالمي! وقصة الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمى تعود إلى إتفاقية تم عقدها فى مدينة بريتون وودز الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية فى عام 1944م بهدف تحقيق الاستقرار فى الاقتصاد العالمى وسميت باسم المدينة التى وقعت فيها، وعرفها العالم باسم اتفاقية بريتون وودز وبموجب هذه الاتفاقية أصبح الدولار هو المعيار النقدي الدولي لكل عملات العالم، وتم تثبيت سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الذهب، و تعهدت أمريكا فى هذه الاتفاقية ولكل دول العالم بان تقدم غطاء من الذهب يوازي ما تطرحه من دولارات على أساس أن قيمة أوقية الذهب 35 دولارا، ونصت الاتفاقية على أن كل من يسلم أمريكا 35 دولارًا تسلمه أمريكا أوقية من الذهب ...
وهذا معناه أن كل من يذهب إلى البنك المركزي الأمريكي بإمكانه استبدال 35 دولارًا بأوقيه من الذهب ، والولايات المتحدة الأمريكية تضمن ذلك فى اتفاقية بريتون وودز ...
وبناء على ذلك، صار الدولار منذ هذا التاريخ يُسمّى (عملة صعبة) واكتسب ثقة دولية ، ويعود ذلك لاطمئنان الدول لوجود تغطية له من الذهب فى البنك المركزي الأمريكي .. ولقد قامت كل دول العالم المختلفة بجمع أكبر قدر من الدولارات في خزائنها ، على أساس أن اتفاقية بريتون وودز تضمن لها تحويل قيمة تلك الدولارات الموجودة فى خزائن بنوكها المركزية إلى الذهب في أي وقت تشاء.. واستمرت دول العالم على هذا الأعتقاد أو الوهم حتى خرج الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون على العالم فى سبيعينات القرن الماضى، وقبل إقالته من منصبه بسبب فضيحة ووترجيت، معلناً لكل الدول وايضا لكل سكان الكرة الأرضية بأن الولايات المتحدة لن تسلم حاملي الدولار ما يقابله من ذهب. وتكتشف دول العالم أن الولايات المتحدة كانت تطبع الدولارات التى تغطى الكرة الأرضية بعيدًا عن وجود غطاء لها من الذهب وانها باعت الوهم وأنها أشترت ثروات الشعوب وامتلكت ثروات العالم بحفنة أوراق خضراء لا تملك غطاء ذهبيا لها ...
أي أن الدولارات ببساطة عبارة عن أوراق تطبعها الماكينات الأمريكية ثم تحدد قيمة الورقة بالرقم الذي ستكتبه عليها فهي 10 أو 100 أو 500 دولار ..
والرئيس الأمريكى نيكسون بإعلانه، تنصل بلاده من اتفاقية بريتون وودز ولن تضع مقابل كل 35 دولار تطبعه أوقية من الذهب وأعلن فى نفس الوقت أن الدولار سيُعوَّمُ أي ينزل في السوق تحت المضاربة، وسعر صرفه سيحدده العرض والطلب بدعوى أن الدولار قوي بسمعة أمريكا واقتصادها ، وكأن هذه القوة الاقتصادية ليست قوة مستمدة من تلك الخدعة الكبرى التي أستغفلت بها العالم بعد أن ضربت بمفردها التعهد الذى تعهدت به.. وطبعا لم تعترض أى دولة من دول العالم على قرار الرئيس الأمريكي ولم تجرؤ على رفض هذا النظام النقدي الجديد لأنها ببساطة ستكون الخاسرة فأعتراضها يعني أن كل ما فى خزينة بنوكها المركزية من مليارات الدولارات ستصبح ورقًا بلا قيمة وهي نتيجة كارثية على اقتصاد دول العالم المختلفة ..
ولقد سُميّت هذه الحادثة الكبيرة عالميًا صدمة نيكسون (Nixon shock) !! واستكملت امريكا خطتها للتحكم فى الاقتصاد العالمي بأن أرسلت وزير خارجيتها هنري كيسنجر (الثعلب العجوز) إلى المملكة العربية السعودية وطلب منهم أن تشترط على من يريد شراء النفط السعودى أن يدفع قيمته بالدولار، ووافقت السعودية على ذلك ومن بعدها منظمة الأوبك (منظمة الدول المصدرة للبترول)
ومنذ ذلك التاريخ أمريكا تسرق العالم تطبع ما تشاء من أوراق البنكنوت "الدولار " وتشتري به بضائع جميع الشعوب وايضا كل الشعوب تستخدمه فى شراء ما تحتاجه من بضائع .. فهل يستطيع العالم التخلص من هذه الهيمنة الأمريكية وإيقاف نهبها لثروات شعوب العالم ؟!!
----------------------
بقلم: ناجى الشهابي *
* رئيس حزب الجيل والمنسق العام للائتلاف الوطني للأحزاب السياسية المصرية