20 - 05 - 2025

هل للبيت من ربان حكيم؟

هل للبيت من ربان حكيم؟

الرجل هو عمود الخيمة وربان السفينة في البيت ، والمرأة هي عماد الأسرة ورمانة ميزانها ، ودور الرجل في صون بيته والارتقاء بعائلته يتعاظم في هذه الأيام الصعبة التي كثر فيها الشقاق والطلاق والفراق وأشباه الرجال ، وهو ما يحتاج إلى دق جرس انذار لصون جهود الرجال الكادحين بحق والمحبين بصدق وعدم الإضرار بالزوجات الصالحات ، ومنع الثغرات التي يتخذها بعض أعداء مؤسسة الأسرة لتشويه منظومة الزواج والحط منها.

بداية هناك فرق كبير – كما يقول الاستشاري النفسي د.محمد طه في كتابه "ذكر شرقي منقرض"- بين الرجولة والذكورة، فالذكورة هى النوع والجنس والبيولوجيا ، والرجولة هي الفكر والسلوك والموقف. 

ونتفق مع د.طه في تشريحه النفسي للتطورات التي حدثت للرجل  وأثرت على بيته حيث يقول :" معروف عن الرجل الشرقي أنه رجل شهم، وشجاع، وغيور.. يحمى أهله وبيته بعُمره، ورجل طيب وحَسَن النية.. يُفضِّل مَن حوله على نفسه، ويهتم بتلبية احتياجات زوجته وأولاده قبل احتياجاته هو شخصيا.. وممكن ــ حرفيا ــ ماياكُلش ومايشربش.. وينام على الأرض.. فى مقابل أن يشعروا هم بالأمان".

الأزمة – كما يضيف د.طه- أنه "وبكل أسف.. تجمعت عدة عوامل فى العقود الأخيرة.. اختطفت من هذا الرجل رُجولته، وتركت له ــ فقط ــ ذُكورته.. أحرقت شهامته وشجاعته وجُرأته، وأبقت على صوته وصورته وعضلاته.. حوَلته من رجل حقيقي مُبادر وحازم ومسئول، إلى رجل مُزيف مُتباهٍ بخشونته وقسوته وافترائه"، ومن هنا ندق ناقوس الخطر.

 لماذا نشعر بالقلق ؟

نشعر بالقلق لأن اشباه الرجال ينتشرون في البيوت، وباتوا سببا في تفكيكها، حيث تركوا زوجاتهم في مهب الريح، وامتنعوا عن حقوقهن ، واثروا البطالة أو ارتضوا بها، وباتت الزوجة بمائة رجل ، كما باتت هي الأم والأب والبنك والقلب ، فتفككت البيوت وتشوه معنى الأب والرجل في العقل الجمعي المجتمعي.

كما نشعر بالقلق لتصاعد حضور "سي السيد" بنمطه السلبي الذكوري المتسلط.

ولقد أبدع أديبنا العالمي الراحل نجيب محفوظ (1911 – 2006 ) في رسم شخصية "سي السيد" الذكورية المتناقضة في روايته العالمية "بين القصرين" ، وباتت أيقونة تعبر عن نمط سلبي مازال يهدد الأسر والعائلات حتى وقتنا هذا ، حيث حل العنف محل الحب ، والغضب المستمر مكان الحوار البناء ، واختار التسلط سبيلا للحياة ما حول البيت لجحيم.

ومن هنا ، يقول الدكتور محمد طه ، الذي يشعر بالقلق مثلنا:" فى رأيى أن الذكورية الشرقية ــ بهذا الشكل وذلك السلوك ــ مرض.. ومرض صعب جدا.. لأنها تُصيب نفس صاحبها ببعض الأعراض.. وتُفسد روحه ببعض المضاعفات، تُصيب نفسه بالنرجسية والأنانية والغرور.. وتُفسد روحه بالسادية والسيكوباتية وتَحَجُّر المشاعر..تُصيب نفسه بالتسلط والفوقية والوصاية.. وتُفسد روحه بالكِبر والغطرسة والعنجهية..تُصيب نفسه بالظلم والتجبر والعدوان.. وتُفسد روحه بالنكوص والاتكالية والتنطع".

ما العمل ؟!

في رأينا، إننا نحتاج أن نرفض أي تطرف يهدد كيان الأسرة سواء من حركات التمركز حول الأنثى وإفسادها ، أو توجهات الانسلاخ عن الرجولة تحت نعرات فاسدة.

وكما تحدثنا مرارا إلى المرأة للإحسان إلى نفسها وزوجها وصون بيتها وثمار قلبها ، فإن المطلوب منا كرجال صحوة ويقظة لحماية البيوت ، لنشد بيد بعضنا البعض، عبر التمسك بالعلم والإيمان ، والوعي قبل السعي ، والشهامة بجوار الذكاء المشاعري، بحرص وحسن التصرف لحماية البيوت عبر تصرفات تناسب مقام الرجال وضوابط الشرع الحنيف ومقتضيات العرف السامي.

نريد رجال بحق لا اشباه رجال ، اذكياء كرماء قادة بيوت، يستطيعون قيادة سفن عوائلهم عن علم وتقوى وبحكمة ، إلى بر الأمان في ظل أمواج متلاطمة هائجة يدفعها متطرفون لإغراق السفينة وخطف النساء والأطفال وذبح الرجال المحبين بصدق الكادحين بحق في مذابح التفريق والشقاق العالمية.

إننا نقدر كل زوج يقاتل في ميادين الحياة للحفاظ على بيته والارتقاء به كما نقدر كل زوجة تكافح في كل ميدان للذود عن عائلتها وصون استقرارها، ونؤمن تمام الإيمان أن خلف كل رجل بحق سنجد امرأة ذكية حرة عزيزة تقود بيتها للنجاح، فالله لا يضيع أجر المحسنين حبا وعطاءا وجهدا.

وإن تعذرت الأمور وابتلت البيوت وتعثرت الخطوات ، فعلى الأزواج أن يكونوا رجالا بحق للدفاع عن قلاع حبهم وحصون ثمار قلوبهم دون يأس أو كلل، وإن غابوا- قسرا أو اهمالا- فعلى الزوجة أن تكون بمئة رجل في ذات المهمة ، والله لا يضيع أجر المناضلين - من ذكر أو أثنى- الذين اختاروا سبيل الرجولة وقدر أهل العزائم والمكارم ، للارتقاء ببيوتهم وصونها.
---------------------------
بقلم: حسن القباني

مقالات اخرى للكاتب

لن نعيش في جلباب الماضي