16 - 06 - 2025

جرس إنذار للعائلات

جرس إنذار للعائلات

يحاول البعض في تلك الأيام أن يحتقر منظومة الأسرة ويصعب على المقبلين على الزواج فرص اقامة "عائلة" مقابل الترويج بكثافة مريبة لجمال"العزوبية" و"الاستقلالية الأنثوية التامة" و"الفردية الحياتية"، وهنا ندق جرس إنذار للعائلات على وقع دقات حروف ملهمة ومهمة لمفكرنا الكبير د.عبد الوهاب المسيري رحمة الله عليه.

لقد حذر الدكتور عبد الوهاب المسيري في تراثه العميق من إصرار بعض الحركات المتطرفة على تفكيك الأسرة وهدمها من خلال عدد من الوسائل منها تحويل المرأة من عضو في أسرة "ابنة وأخت وزوجة وأم..." إلى أنثى مستقلة بنفسها، متمركزة حول ذاتها، وتحويل كل عضو من أعضاء الأسرة إلى فرد مستقل، يبحث عن حقوقه فقط، دون مراعاة لحقوق الآخرين.

هذا التحذير الذي نحيا فصوله بوضوح في بيوت عدة الآن كما نرصد ويصل إلى مسامعنا ، يستوجب القراءة مع العلامة المسيري في كتابه المتفرد " قضية المرأة - بين التحرير والتمركز حول الأنثى"، حيث يقول :" نحن نذهب إلى أن حركة الفيمينزم (التي نترجمها بحركة التمركز حول الأنثى) هي تعبير عن هذا التحول ذاته"، حيث تؤكد حركة التمركز حول الأنثى في إحدى جوانبها الفوارق العميقة بين الرجل والمرأة، وتصدر عن رؤية واحدية إمبريالية وثنائية الأنا والآخر الصلبة، كأنه لا توجد مرجعية مشتركة بينهما، وكأنه لا توجد إنسانية جوهرية مشتركة تجمع بينهما؛ ولذا فدور المرأة كأم ليس أمرًا مهمًّا، ومؤسسة الأسرة عبئًا لا يُطاق".

ويرسم د.المسيري مشاهد الخطر التي نرصدها الآن بريشة فنان مبدع فيقول :" فالمرأة ..تود اكتشاف ذاتها وتحقيقها خارج أي إطار اجتماعي، في حالة صراع كوني أزلي مع الرجل المتمركز حول ذاته، وكأنها الشعب المختار في مواجهة الأغيار، أي أنه بدأت عملية تفكيك تدريجية لمقولة المرأة كما تم تعريفها عبر التاريخ الإنساني وفي إطار المرجعية الإنسانية، لتحل محلها مقولة جديدة تمامًا تسمى (المرأة) أيضًا، ولكنها مختلفة في جوهرها عن سابقتها".

ويعرب المفكر الراحل عن انزعاجه من التطرف المهدد لدور الأسرة بعد حديث مفصل عن أبعاد الأزمة فيقول " ينادي دعاة التمركز حول الأنثى بالتجريب الدائم والمستمر، ويطرحون برنامجًا ثوريًّا يدعو إلى إعادة صياغة كل شيء...  وتصل هذه الرؤية قمتها (أو هويتها) حينما تقرر الأنثى أن تدير ظهرها للآخر/ الذكر تمامًا، فهي مرجعية ذاتها وموضع الحلول ولا تشير إلا إلى ذاتها، فهي سوبر وومان superwoman؛ ولذا تعلن استقلالها الكامل عنه،..، ونصل إلى حالة من الواحدية الأنثوية الصلبة والتمركز اللا إنساني حول الذات الأنثوية، وإلى نهاية التاريخ المتمركزة حول الأنثى".

ومن هنا يأخذنا د.عبدالوهاب المسيري رحمه الله إلى دور النظام العالمي الحقير  قائلا :" إذا كانت الأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع، فإن الأم هي اللبنة الأساسية في الأسرة (بما لا ينفي دور الرجل الأسري بالطبع) ومن هنا كان تركيز النظام العالمي الجديد على قضايا الأنثى ، فالخطاب المتمركز حول الأنثى هو خطاب تفكيكي يعلن حتمية الصراع بين الذكر والأنثى، وضرورة وضع نهاية للتاريخ الذكوري الأبوي، وبداية التجريب بلا ذاكرة تاريخية، وهو خطاب يهدف إلى توليد القلق والضيق والملل وعدم الطمأنينة في نفس المرأة عن طريق إعادة تعريفها، بحيث لا يمكن أن تتحقق هويتها إلا خارج إطار الأسرة".

ويوضح د. المسيري أبعاد انسحاب المرأة من الأسرة قائلا :" إذا انسحبت المرأة من الأسرة تآكلت الأسرة وتهاوت، وتهاوى معها أهم الحصون ضد التغلغل الاستعماري والهيمنة الغربية، وأهم المؤسسات التي يحتفظ الإنسان من خلالها بذاكرته التاريخية وهويته القومية ومنظومته القيمية، وبذلك يكون قد نجح النظام العالمي الجديد من خلال التفكيك في تحقيق الأهداف التي أخفق في تحقيقها النظام الاستعماري القديم من خلال المواجهة المباشرة".

أما عن الحل فيرى د.المسيري أنه لابد من التركيز على حماية حقوق الأسرة قائلا : "لابد أن نتحدث عن حقوق الأسرة كنقطة بدء ثم يتفرع عنها وبعدها حقوق الأفراد الذين يكوِّنون هذه الأسرة، أي أننا سنبدأ بالكل (الإنساني الاجتماعي) ثم نتبعه بالأجزاء (الفردية)، ولو اتبعنا هذا النموذج، واتخذنا الأسرة نقطة بدء ووحدة تحليلية، فإن الحديث عن "تحقيق الذات بشكل مطلق" يصبح أمرًا ممجوجًا ومرفوضًا -سواء للرجل أم المرأة-ولا بد أن يحل محله الحديث عن تحقيق الذات داخل إطار الأسرة".

إننا نضم صوتنا، لصوت مفكرنا الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري ، ونؤكد أن استمرار استهداف بنيان الأسرة لن يفيد إلا أعداء عروبتنا وأمتنا ، ويشكل تهديدا مباشرا لمستقبل بلادنا العربية ، إذ أنه يحقق أهداف الاستعمار عن بعد وتلك مصيبة كبرى تتطلب يقظة من الجميع وفي القلب منهم المرأة.

وإننا لنردد مع القائل :" قل ما شئت عن الشهرة و عن اقتحام الأخطار فإن كل أمجاد العالم و كل حوادثه الخارقة للعادة لا تعادل ساعة واحدة من السعادة العائلية".

-----------------------------

بقلم : حسن القباني

مقالات اخرى للكاتب

لن نعيش في جلباب الماضي