19 - 05 - 2025

العائلات في المشهدين الأوكراني والعربي

العائلات في المشهدين الأوكراني والعربي

ذاق الغرب مرارة كرب الحروب من جديد ، بعد استباحة الدب الروسي لأوكرانيا ، وتصدرت صور لعائلات أوكرانية مكلومة في المشهد الاعلامي الغربي المتحيز لبني جلدته ومدرسته، لنتذكر بأسى كربا متواصلا للعوائل في غزة والضفة والشيخ جراح وغيرهم بفلسطين المحتلة، وكرب العائلات المضطهدة تحت تأثير الاسلاموفوبيا والتمييز ضد المسلمين في الهند وكشمير وميانمار وبعض دول الاتحاد الاوروبي وكرب العوائل العربية في مذبح حروب السنوات  الأخيرة ، تذكرة تحمل رسالة مفاداها أن لكل حرب ثمن وضريبة وأن العائلات هي أكثر من تدفع الثمن كربا وألما خاصة عوائلنا العربية.

تؤثر الحروب في أي مكان بالعالم بلا شك على كيان الأسرة وعلى شخصية الأطفال خاصة الذين يعيشون ويلات تلك الكروب الكبرى، ومن الممكن أن تضع يديك على خارطة العالم خاصة في عالمنا العربي ، لتجد نزيفا في جسد كيان كل أسرة تحيا في موطن حرب ونكبة، وهو أمر جد خطير وله تبعاته على مستويات عدة.

ويتحدث المختصون كثيرا عن تلك التبعات خاصة الاثار النفسية والصحية والاقتصادية والاجتماعية سواء على المدى القريب أو البعيد على كيان الأسرة في مناطق الحروب والنكبات ، والتي تبدأ بالتشتت والتفرق وتنتهى بالتفكك مع رحلة طويلة في اضطرابات ما بعد الصدمة، ليس لها من دون الله كاشفة وليس لها من دون العلاج والتمسك بالأمل والبدء من جديد بديلا.

 لقد ضربت الحروب حياة الأسر، وقلبت حياة القلوب رأسا على عقب، وصنعت أجيالا متألمة ولدت من رحم طفولة معذبة تغذت على الاضطرابات وترعرعت على أصوات الرصاص والدانات ، وتعايشت كمدا مع التفرق والتشرذم وغياب لم الشمل.

ويكشف كتاب "أحفاد الحرب" على سبيل الاستدلال، عن صدمات نفسية موروثة في ألمانيا، من حروب لم يعايشها الاطفال خاصة ويلات الحرب العالمية الثانية ومآسيها.

وناقشت الكاتبة الألمانية زابينا بودا في كتاب بعنوان "الجيل المنسي" مآسي الأطفال الذين عايشوا الحرب، وكانت المفاجأة أن المؤلفة تلقت ردود فعل كثيرة دفعتها الي ان تصدر كتابا آخر في عام 2009 بعنوان "أحفاد الحرب".

وخلاصة الكتاب الثاني التي توصلت لها المؤلفة هي أن أطفال هذا الجيل يجدون صعوبة في التواصل العاطفي مع والديهم، ويشعرون بالخوف غير المبرر وعدم الأمان، إضافة إلى مشكلات كبيرة في اختيار مستقبلهم المهني.

ولقد حملت تلك الحروب أحمالا ضخمة وأعباء عظيمة كذلك على المرأة ، سواء بعد غياب العائل أو ضرب استقرار الأسرة أو سوء الاحوال الاقتصادية المرتبة على قسوة الحرب، وهو ما حملها فوق طاقتها ودفعها إلى تغييرات درامية في شخصيتها ونفسيتها ، أثرت بشكل ما على محيطها، ولم ينج فيما هو مرصود إلا قليل، بل وصل الأمر في بعض المناطق المنكوبة إلى سقوط النساء في قبضة تجار البشر.

ومن الطبيعي أن تسحق تلك النكبات الرجل باختلاف عناوينه في كيان الأسرة ، فهو يدفع الثمن عمرا أو فقرا أو ألما أو اضطرابا ، ومطلوب منه رغم كل الآلام أن يواصل الطريق في حضوره ويتحمل تبعات غيابه، وبين هذا وذاك فهو أسير القهر والعجز والعوز.

إن حالة عدم اليقين بشأن الحاضر الحزين والخوف من المستقبل المجهول لازالت تستبيح البيوت خاصة العربية منها جراء تلك الحروب والنكبات ، وهو ما يتطلب يقظة إنسانية عامة تتحمل المسئولية في مواجهة تلك الأعباء المفروضة على الأسر كرها وقسرا وتعسفا.

إننا ننادي الجميع مع "فيليبي السادس ملك اسبانيا":"يجب أن يكون هدفنا الأساسي منع الحروب ، وعندما نفشل في ذلك، يجب أن نحمي ونساعد الضحايا الأبرياء".

ونتفق مع السياسي الأمريكي "تشارلز سمنر" حينما قال :" أعطوني المال الذي تم إنفاقه في الحروب وسوف أكسو كل رجلٍ وكل إمرأةٍ وكل طفل في العالم بملابسٍ من التي يفتخر بها الملوك والملكات وسأبني مدرسةً في كل واد على كامل الأرض وسأتوّج كلّ تلّةً بمكان عبادةٍ مكرّسٍ للسلام".
-----------------------
بقلم: حسن القباني

مقالات اخرى للكاتب

لن نعيش في جلباب الماضي