19 - 04 - 2024

القضاء على الفقر و ليس الفقراء

القضاء على الفقر و ليس الفقراء

تطبق بعض الدول سياسات للقضاء على الفقر و بعضها سياساته تعمل على القضاء على الفقراء أنفسهم. و الفارق هنا يكون بين سياسات إنسانية و أخرى إجرامية بحق البشر.

و لكي نقضي على الفقر دون القضاء على الفقراء لابد من اتباع سياسات تنموية تتناسب و ظروف الشعب و مستويات تعليمه .

عدد الفقراء في مصر وفق الاحصائيات وصل إلى ما يزيد عن 30 مليون مواطن ،  حيث أشار الجهاز المركزي للتعبئة العامة و الاحصاء في مصر خلال العام 2019/ 2020 أن نسبة الفقراء بلغت  نحو 29.7%  من عدد السكان ، في حين بلغ معدل الفقر المدقع (عدم القدرة على الإنفاق للحصول على الغذاء فقط “تكلفة البقاء على قيد الحياة”)  حوالي  4.5% .. أي ما يقرب من خمسة ملايين مواطن . من هنا فإن الأمر يزداد خطورة و يهدد السلام الإجتماعي للمجتمع.

ووفقًا للبنك الدولي، فإنه رغم انخفاض معدل الفقر في 2019/ 2020 إلى 29.7%، إلا أن هذه النسبة لا تزال أعلى من عام 2015 (قبل تطبيق برنامج “الإصلاح الاقتصادي”) حيث كانت حينها  27.8%.

و لإن الأمر تزايد بعد تطبيق خطة الإصلاح الأقتصادي و لإن قطاع عريض من المواطنين تأثر سلبا و بينهم سكان الريف و الذين يمثلون القطاع الأكبر من الفقراء حيث تشير الإحصاءات إلى أن  42.8% من الفقراء هم ممن يسكنون  محافظات الصعيد ، و هؤلاء لا يستطيعون الوفاء بإحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغير الغذاء.

ورغم ما واكب خطة “الإصلاح الاقتصادي” وتحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار من مشروعات كحياة كريمة و زيادة رواتب و معاشات ، إلا أن معدلات الفقر إرتفعت لتصل إلى 32.5% من عدد السكان في عام 2017/ 2018 ، ثم تراجعت مع الإجراءات الحكومية إلى 29.7% كما سبق و ذكرنا .

و من ينظر إلى المجتمع المصري و التفاوت الكبير فيه بين الدخول و أنواع الخدمات المقدمة و أنماط الإنفاق يتأكد أن هناك نقاط سلبية في تطبيق تلك السياسات تؤدي إلى مزيد من غنى الأغنياء و مزيد من إفقار الفئات المتوسطة و الفقيرة.


فكرة القضاء على الفقر ليست جديدة و تم تطبيقها بالفعل في عدد من دول العالم و نجحت بالفعل لكننا  نتعامل معها بشكل  مظهري قشري أكثر منه جذري.


فرغم ما يسعى إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي من رفع مستوى معيشة المواطن و ما تقوم به الدولة من مشروعات لدعم الفقراء سواء بأنواع مختلفة من المعاشات أو مشروعات البناء إلا أن هناك شكوى مرة من الجميع بسبب إرتفاع تكلفة الحياة ( غذاء - دواء- انتقالات).

بل امتد الأمر إلى الطبقة المتوسطة التي تكاد تلحق بالفقراء ، فالجميع يجري وراء محاولة الحصول على الحد الأدنى من كل شئ ، و أصبحت الحياة ثقيلة على الجميع.

نعم امتد العمران الحجري رأسيا و أفقيا ، لكن العمران البشري المتمثل في التعليم و التأهيل و التدريب لا يسير بالسرعة المطلوبة .

و في رأيي أنه لا يمكن لمجتمع بشري في العالم أن يصلح حال الفقراء فقط ببناء بيوت جديدة لهم دون أن تكون هناك خطة مصاحبة او سابقة بخطوة لبناء العقول و المهارات .

فهذا الذي ننقله إلى بيت جديد كيف سيعيش داخل هذا البيت ؟ هل يعيش بذات الاسلوب القديم الذي افقره، أم يعيش حياة جديدة توفر له حدا من الدخل يحفظ له آدميته؟

و هل إنفاق الدولة على بناء بيوت جديدة للمواطنين يعني أنها وفرت لهم حياة حقيقية ، أم كان على الدولة أن تنفق على تعليمهم و تأهيلهم أيضا، على التوازي مع بناء تلك البيوت الجديدة  ليكونوا قادرين على الإنتاج و الحصول على دخل مناسب للحياة دون "حوجة" او "عوز".

و في حال عدم قدرة الدولة على الوفاء بالإنفاق على بناء الحجر و البشر معا، فإنني أعتقد أن الأولوية في هذه الحالة يجب أن تقوم على بناء قدرات البشر أولا ثم يتولون هم أنفسهم بناء بيوت جديدة وفق امكاناتهم و رغباتهم و يمكن للدولة أن توفر لهم قروضا طويلة الأجل منخفضة أو معدومة الفائدة.

إذا فالأمر يتطلب إعلان الحرب على الفقر و وضع خطة مُحكمة تبدأ بدراسة و تعريف من هم الفقراء. ثم تقسيم هؤلاء الفقراء إلى فئات بين قادر على العمل و غير قادر، و تقسيم غير القادر إلى طفل يحتاج التعليم و كبار السن و العجزة غير القادرين على العمل . يلي هذه الدراسة تنظيم دورات تدريبية لمن هو قادر على العمل لتطوير مهاراته و تحويله إلى عامل منتج على يتولى تنظيم تلك الدورات التدريبية جهة عليا في الدولة و لتكن القوات المسلحة التي لديها الكوادر و القدرات لمثل هذا العمل الوطني الكبير ، يعاونها في هذا المجتمع المدني و الحكومة ، و يتم إستغلال مقرات مراكز الشباب المنتشرة في القرى و النجوع و الكفور للوصول إلى كل من يحتاج إلى التدريب. و بهذا نضمن جودة التدريب و كفاءته، على أن يكون للمتميزين المهرة فرصة الحصول على ورشة صغيرة او كبيرة كل حسب قدراته . و تكون تلك الورش مرخصة لا تحتاج الى إجراءات كثيرة مطاطة يدخل فيها الفساد.

و في خلال عام واحد من التدريب سوف تتحول القوى البشرية القادرة على العمل إلى قوى منتجة لكل فرد فيها دخل مادي مناسب يكفي احتياجاته و احتياجات أسرته ، بل و يسمح له بفائض يمكنه من بناء بيت جديد و الحفاظ على مستوى معيشة مناسب.

أما عن الفئات غير القادرة على العمل فعلى الدولة أن توفر لها حدا مناسبا لحياة محترمة و دخلا يكفي هذا العاجز عن العمل لتوفير كافة متطلبات حياته دون تسول. أي أن يتم توفير الخدمات و الحاجات الأساسية للإنسان مهما كانت قدراته ، على أن تتساوى الخدمة المقدمة لأصحاب الدخول المرتفعة معها لغيرهم و منها بالتأكيد الخدمات الصحية .. فلا يجوز أن يدخل الفقير مستشفى فقيرة و يدخل الغني مستشفى أخرى .. ليس إنسانيا على الإطلاق ألا يجد الفقير ذات الدواء الذي يجده الغني.  

أما عن الأطفال فلابد من توفير التعليم من الحضانة إلى المستوى الذي يسمح للشباب بالعمل بشكل مجاني حقيقي مع ضمان جودته حتى يقضي على الجهل و الفقر  مع توفير التعليم التأهيلي بعد التعليم الثانوي. بشرط أن يكون هذا التعليم التأهيلي كاف للعمل لمن أراد الإكتفاء به ، و أن يكون مؤهِلا لدراسة أعلى لمن أراد الأستمرار و دخول الجامعة دون أن نضع عراقيل أمام من يطمح للوصول إلى أعلى مستويات التعليم . و لنأخذ بنموذج الكوميونيتي كولدج المطبق في الولايات المتحدة الأمريكية و الذي يقوم على توافر معاهد في كل مكان تستمر الدراسة فيها لعامين و يتوفر ضمن برامجها التعليمية مواد دراسية مؤهلة للعمل و في ذات الوقت تعتبر مقدمة لدراسات أخرى أعلى بالجامعة.
كما يتم توفير نظام خاص لمن فاته قطار التعليم بدراسة مكافئة للتعليم الثانوي في عام واحد يستطيع بعدها الفرد مهما كان عمره من الالتحاق بما يسمى "الكوميونتي كولدج" و هي المعاهد سالفة الذكر ، حيث  يدرس الشخص فيها مواد مؤهلة للعمل الذي يريده بعد الاستعانة برأي استشاري متخصص موجود داخل المعهد يسأل الشخص عن خبراته و طموحاته و يساعده في اختيار البرنامج الدراسي المناسب له و الذي يساعده على دخول سوق العمل.
القضاء على ظاهرة الفقر لا يمكن أن تتم إلا بتأهيل الانسان للعمل و الإنتاج ، و كما يقول الصينيون بدلا من أن تعطيني سمكة علمني الصيد و أن أقول بدلا من أن تبني لي بيتا ، ابن لي ورشة و سوف أتولى أنا بناء البيت . و ساعتها سوف ينتعش اقتصاد الفرد و اقتصاد الدولة .

-----------------
بقلم: إلهام عبدالعال

مقالات اخرى للكاتب

خدمة العملاء و تعذيب المواطن





اعلان