19 - 05 - 2025

إعلامنا البائس..

إعلامنا البائس..

أثناء دراستي للإعلام في السنوات الأولى من بداية الألفية الثانية؛ ترسَّخ في ذهني أن الصحافة رسالة يحمل العامل بها على عاتقه الكثير من المسؤوليات، أُخبِرت أن من أهم وأبرز تلك المسؤوليات "التوعية"؛ توعية المجتمع ومساعدته على حل مشكلاته، بما في ذلك تثقيف أفراده وتعليمهم وإرشادهم وتوجيههم لما هو أصلح لهم وللمجتمع ككل.

شَبَبنا على أن “الصحفي” تحديدًا هو همزة الوصل بين الدولة والشارع، بين المسؤولين وبين المواطن البسيط، حتى بين الفئات المختلفة؛ هو ضمير المجتمع، وهذا هو الدور الذي طالما طالب به الرئيس عبد الفتاح السيسي وشدد عليه، كيف تحوَّل دوره هذا التحول المُخيف الذي نعيشه الآن؟

يُصر القائمون على الوسائل الإعلامية الآن أن يرفعوا شعار "ودن من طين وودن من عجين"، وسواءً كان ذلك عن قصد أو غير قصد، أو حتى كان كوسيلة من وسائل الإلهاء للشعب عن مشاكله الحقيقية، فالنتيجة أن الإعلام بشكلٍ أو بآخر انزوى عن دوره الأساسي وساهم بشكل كبير - للأسف - في انحدار الذوق العام وتشتيت الشارع المصري، واستطاع أن يُحوُّل الشعب في قرابة عشرة أعوام أو يزيد، إلى شعب آخر.

قبل سنوات مضت لم تكن مواقع التواصل الاجتماعي مصدرًا رئيسيًا للأخبار بالنسبة للصحفي، تحوَّلت الآن صفحات السوشال ميديا إلى المصدر الرئيسي والحيوي لكل ما يحدث في الشارع المصري بكل فئاته وعلى كافة مستوياته، وكثرت المواقع وانتشرت حتى أصبحت صناعة الخبر مهمة من لا مهمة له، فأصبحت حياة الفنانين وخصوصياتهم ومشكلاتهم وتفاهاتهم هي الهدف، وذلك لجمع أكبر عدد ممكن من اللايكات، وكذلك الركض الدائم وراء قضايا الشرف والخيانة والغدر والقتل ..إلخ، ما الفائدة أو القيمة أو المعلومة التي استفدتها أنا أو غيري من وراء تصدير تلك الأخبار والموضوعات السلبية؟ متى وصلنا إلى هذا البؤس الإعلامي؟ هل هو فَلَسْ إعلامي؟ هل هي قِلة موضوعات؟ هل هي قِلة خبرات؟ أم قِلة كفاءات؟ أو ربما لعدم وجود رقابة على المحتوى والتركيز فقط على الكَمْ والإثارة لتحقيق أكبر عدد من المشاهدات والزيارات للمواقع! كيف لم تعد تُعبر الصحافة عن البؤس الحقيقي الذي يعيشه المواطن المصري وأصبحت تبحث عن الفضائح والعُري وتوصيل صورة مُخيفة عن الشارع المصري؟

فالإعلام المرئي الآن إما للتطبيل، أو لتوجيه الأنظار إلى فساد فكري وديني وأخلاقي، وكأن الإعلاميين جاءوا لجمع مبالغ طائلة من الأموال مقابل الاغتيال المعنوي للرموز الدينية أو الثقافية، أو لإظهار أمثلة لجُهَّال لا يفقهون شيئاً وتشويش العقول.

والإعلام المقروء أصبح لا يتحدث في الليل والنهار إلا عن قضايا الشرف، ومن طلَّق زوجته لأنها لم تخدم والدته، ومن تاهت في الشوارع ضحية زوجها، والمطربة التي ودعت أباها وتركته للزمن يفعل به ما يفعل! ربما يمكن أن يكون لهذه الموضوعات حيزاً من الأخبار، لكنها لا تهُم القارئ بهذه الصورة المزعجة، ولا يجب أن تأخذ هذا الإطار الواسع من التغطيات الصحفية.

 كل ما يحدث يطرح تساؤلا لا أجد له جوابًا: ما الهدف من محاولة ترسيخ فكرة أن هذا هو الشارع وهذا هو المجتمع وهذه هي الحياة؟ ما الفكرة من إزاحة الستار عن تلك السُبَه والتشوهات التي أصابت الشعب المصري؟ هل يتعمَّد الإعلام نقل صورة مشوَّهة للشباب عن استباحة كل شيء؟ الانتحار، والزنا والشذوذ الفكري والسلوكي، والخيانة للأصدقاء والأحباب والأهل؟ هل يتعمَّد أن يخلق جيلًا مهزوزًا أخلاقيًا واجتماعيًا ودينيًا؟ هل الهدف الوحيد للإعلام الآن هو أن يكون إعلام التريند وأن يركز على التفاهات والفضائح؟ أين الدور الحقيقي والأساسي للإعلام الذي وُجد من أجله؟ وأين الرقابة على أقسام الحوادث وما يُكتب فيها في المواقع الإخبارية؟

لم يعُد الإعلام يبحث عن حلول، بل أصبح يزيد من الطين بلة ويزيد كثيرًا كثيرًا من المشكلات، تصوير وتصدير الجانب السيء طوال الوقت لم يكن إعلامًا ولا إخبارًا ولا له أي أهداف تُذكر، الإعلام الآن لا ينبي؛ بل أصبح هدامًا ويهدد الأمن القومي للبلاد.

أفِقْ أيها الإعلام الهدَّام... البائس!
-----------------------
بقلم: إيمان جمعة

مقالات اخرى للكاتب

إعلامنا البائس..