18 - 04 - 2024

النسر والغراب

النسر والغراب

يحكي ان غرابا كان يجلس بجانب رجل يرعى أغنامه الصغير منها والكبير، ترعى في سكينة و هدوء فإذا بنسر في الأفق يحوم في السماء باحثًا عن فريسة تشبع جوعه وحدد هدفه بدقة و في لحظة خاطفة انقض على أحد الأغنام غارسا مخالبه القوية بها ليطير بها بعيدًا وسط ثورة الراعي و ذعر باقي الأغنام.

فكر الغراب قليلًا ماذا يميز النسر عنه حتى يستأثر هو بهذه الوجبة الدسمة و هو لا ينال الا فتات الوجبات الدسمة أو ما يلقيه إليه الراعي من حبوب لا تغني ولا تسمن من جوع ، فالنسر يطير عاليا و هكذا الغراب و النسر له مخالب و هكذا الغراب فما الذي يبقيه على هذه الحالة من البؤس و الحرمان .

اعد الغراب العدة وأخذ يطير حول الأغنام ينتقي فريسته التي سينالها كوجبة شهية و اختار اكبرها و أسمنها لتكون هدفه ، و انتظر حتى غاب الراعي في نوم هادئ مطمئنًا فانقض على فريسته شاهرا مخالبه تجاه الفريسة و لكن حدث مالم يحسبه مسبقًا، فقد علقت اقدامه بفراء الضحية و لم يقو على حملها او حتى جرها و علق و لم يستطع حتى النجاة بنفسه و الذهاب بعيدًا فاستيقظ الراعي علي اثر ما أحدثه من ضجيج و قام بقص الفراء حتى يفلت الغراب، و هو غارق في الضحك و السخرية من الغراب الذي ذهب بعيدا خجلا و محبطا من قلة قدره و عدم قدرته على مجاراة النسر في الفوز بغنيمة دسمة من أغنام الراعي.

الشاهد أن جوارح بلدنا نوعان، نوع فتاك مثل النسر يقتنص مايريد وقتما يريد لحظة غفلة من الراعي و لا يستطيع أحد ايقافه او عقابه على فعلته هذه، فالحديث حديث قوة و نظرة ثاقبة و فريسة يغفل الراعي عن حمايتها .

و هناك الغربان هؤلاء الذين يلتقطون فتات هذه الوليمة وما يتبقى منها او قُل ما يلقيه الجوارح لها كي تصمت و هي تشاهد هذا المشهد الحزين.

نسور بلدنا لم يتركوا أي مرعي الا و استباحوه، و الغربان لازالت بين من يقبل بهذا القليل و تشارك في إلهاء الراعي بعيدا عن أحداث الجريمة وهناك من يراوده الحلم أن يبقى يوما ما أحد النسور الجارحة يقتنص ما يشاء وقتما يشاء .

الراعي لازال في سباته العميق يحلم باليوم الذي تنمو فيه حملانه و تتكاثر وتصبح ثروة عظيمة يتباهى بها وسط أقرانه، و لكنها الأيام لا تعطي النائم والساهي عن ما ائتمن عليه إلا نسورا و غرباناً تقتنص حملانه يوما بعد يوم إلى أن يستيقظ يوما ليجد المرعي خاليا من كل شئ.

الأمر المزعج حقاً هو ماذا إذا فكر الراعي يوماً مثلما فكر الغراب فهو يتحمل مسؤولية ما يرعاه و لا ينال إلا أجر يومه و الذي بالكاد يسد به رمق العيش ، فلماذا لا يكون من الطيور الجوارح و يقتنص له يوما حملا من الحملان و يلصق التهمة بالنسر سئ السمعه وهو مصدق من قبل أصحاب المال و قصة النسر يعرفونها جيدا ويخشون مخاطرة و بالتأكيد هناك نسبة فقد معمول حسابها مسبقا فلماذا لا يستأثر هو بها !؟

تُري هل فكر الراعي مثل الغراب أم كان الغراب و النسر درسا أخذ منه العبر لتحسين إدارته لهذا الأمر !!!؟

تخبرنا قصاصات الصحف المتتالية يوم بعد يوم أن القليل أخذ العبر و الكثير فمنهم تحول فعليا لنسر كاسر ومنهم لغراب احمق أراد التحليق كنسر كاسر ينقض على القطيع غير مبال فيؤتى حتفه و الباقي اكتفي بما يلقي إليه من الوليمة .

في وسط كل هذا العبث تُري لمن نشير باصابع الاتهام نُحملة مسؤولية هذا الفساد الذي ينهش لحم القطيع و يمتص دمه امتصاصا!؟
----------------------
بقلم: محمد عبادة

مقالات اخرى للكاتب

أحلام ضائعة





اعلان