18 - 05 - 2025

مؤشرات | أديس أبابا بين مصالحة الداخل وشركاء المياه

مؤشرات | أديس أبابا بين مصالحة الداخل وشركاء المياه

إذا صدقت نوايا رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وحكومته في مسألة المصالحة مع خصمائه السياسيين، وتحققت إمكانية وقف الحرب الأهلية، التي دمرت المجتمع الإثيوبي وراح ضحيتها المئات من أبناء هذا الشعب، .. إذا تحقق هذا وصدقت نوايا الجالس على العرش الإثيوبي، لن يكون هذا نهاية المطاف، بل عليه أن يفتح خطا واضحا ومصالحة مع شركاء أثيوبيا في مياه نهر النيل وشريان الحياة لشعوب هؤلاء الشركاء في مصر والسودان.

ورغم أن مؤشرات حلحلة الأزمة في إثيوبيا مع الحكومة المركزية في أديس أبابا واقليم تيجراي، تأتي تحت ضغوط أمريكية إلا أننا سنقول أنه مقبول، رغم أنه لم يأت بمبادرة من الداخل الإثيوبي، ومن حكومة آبي أحمد، إلا أن العبرة دائما بالنتائج على الأرض، وفي النهاية ليس من المهم كيف جاءت وبدافع ممن؟!.

كل التحليلات الخاصة بالوضع في إثوبيا، تؤكد أن واشنطن لن تتوقف عن الضغوط على آبي أحمد من أجل إقرار شكل من أشكال المصالحة، والعمل على الدخول في حوار وطني أكثر شمولية من أجل تسوية سياسية للأزمة التي تعيشها البلاد.

التفاؤل سمة لا يمكن التغاضي عنها أو تجاهلها، فهناك من يرى أن التطورات الأخيرة التي شهدها الملف الإثيوبي، تشير إلى مؤشرات إيجابية فيما يتعلق بإمكانية التهدئة، بالرغم من التحديات التي حتما تؤثر بالسلب على مسار المصالحة الوطنية، وتجعلها عرضة للانتكاسات، ومن هنا يأتي دور الضغط الأمريكي المتوقع.

ورغم أن آبي أحمد وقبل أن يغادر الدبلوماسيون الأمريكيون والوسطاء الأفارقة، قام بعمليات قصف لتيجراي، مخالفا الخطوط العريضة التي تم وضعها لبدء حالة من التهدئة، فيما ما زالت الأسلحة تتدفق على أديس أبابا من بلدان عربية خليجية داعمة لآبي أحمد، ومن بلدان غير عربية مثل تركيا، وهناك اتهامات لأطراف أخرى من مصلحتها بقاء الأوضاع على ما هي عليه، من أجل مصالح خاصة بها.

المهم أن تتكامل الخطوات، فعندما أعلنت حكومة أبي أحمد في أوائل ديسمبر من العام الماضي تشكيل لجنة للحوار الوطني كمؤسسة مستقلة تتولى مسؤولية إدارة الحوار الوطني الشامل، ثم موافقة البرلمان الإثيوبي في أواخر ديسمبر أيضا على اقتراح رئيس الحكومة لتشكيل تلك اللجنة، لم يحدث شيء في وقف الغارات، بل ظلت تتوالي.

وفي مسعى للتهدئة أفرجت الحكومة الإثيوبية في نهاية الأسبوع الأول من يناير الحالي، عن نحو 37 من المعتقلين السياسيين، بينهم عناصر قيادية داخل جبهة تحرير تيجراي وقيادات من إثنية الأورومو والأمهرة، وهو الأمر الذي اعتبره مراقبون، مؤشرا على سعي آبي أحمد للتوصل لتسوية دائمة للأزمة الراهنة في البلاد من خلال حوار وطني شامل، وهو ما اعتبره كل من الرئيس الأمريكي "جو بايدين" والأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريس"، وممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، "جوزيب بوريل"، إلا أن التأكيد على بناء الثقة هو الأهم لضمان وجود زخم في المصالحة بالداخل الإثيوبي.

القضية الأساسية ستظل مرهونة بالممارسات على الأرض للملمة كل الأطراف، وحل القضايا الإقليمية ذات العلاقة بقضية المياه وشركاء نهر النيل في القاهرة والخرطوم، وتوقف أبي أحمد عن ممارساته العدوانية ليس ضد مصر والسودان، بل ضد شعبه.

فمن بداية أول يوم في الأسبوع الثاني من يناير أي 8 يناير، بدأت أفعال أبي أحمد تعكس نواياه الحقيقية، وهي سياسة الإبادة والتطهير العرقي، وفقا لوصف منظمات أممية، فقد علقت وكالات الإغاثة أعمالها، نتيجة العدوان على تيجراي بعملية قصف جوي على مخيم للمهجرين في قرية ديدبيت أدى إلى مقتل 56 شخصاً وإصابة مالا يقل عن 30 آخرين.

ومن المؤشرات الخطيرة أن بعض حلفاء أبي أحمد لا يرغبون في المصالحة مع تيجراي، لأنهم أمراء وتجار حروب، ووقف الحرب سيضر بمصالحهم، ويرون أن التعامل مع تيجراي خيانة عظمى، في الوقت الذي يرفض فيه آبي أحمد وبحالة من الغطرسة مطالب التيجراي الخاصة بالإفراج عن آلاف المعتقلين، وليس قصرها على القادة فقط، مع أهمية انسحاب قوات حكومته من الإقليم، مع تجاهل اتخاذ خطوات لإشراك واسع من مختلف الفصائل وقوى المعارضة في الحوار الوطني "المزعوم".

القضية معقدة،.. ويبقى أن سعي آبي أحمد لتجميع بلاده لمواجهة أزمات أخرى، محكوم عليه بالفشل إذا كان هدفه توسيع دائرة تجميع المواجهة في قضية مياه  النيل مع مصر والسودان، الأهم أن تأتي المصالحة شاملة الداخل والخارج،.. وهو ما يجب أن يعيه حتى الوسطاء وقوى الضغط الخارجي .. غربا وعربا.
----------------------
بقلم: محمود الحضري
من المشهد الأسبوعي

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | جولة ترامب والتريليونات والتطبيع .. والباقي وعود