19 - 04 - 2024

من فضلكم .. انظروا إلى السماء!

من فضلكم .. انظروا إلى السماء!

مذنب عرضه 9 كيلومترات سيضرب الأرض ويدمرها بعد 6 أشهر من الآن؟ اسمه قاتل الكواكب، والتحذير جاء فى فيلم (لا تنظروا إلى السماء)، مدته 145 دقيقة، وهو فيلم لا يشغل أمريكا وحدها بل العالم كله الآن. وهو ليس قصة أو مناظر، ولا تحذيرا من التغييرات المناخية فقط - رغم أهميتها للعالم الآن - ولكنه يحمل عدة رسائل تقول لك وببساطة: أن أكبر دولة تحكم العالم يحكمها ثالوث غير مقدس هو رجال الأعمال ، الذين يتحكمون فى رجال السياسة مثل عرائس الماريونيت، ورجال السياسة الذين يوجهون الإعلام لأغراضهم الانتخابية، ولصالح إداراتهم الفاسدة، وأن الذين يدعون حماية العالم يكونون أول الفارين منه عند وقوع الكارثة!  

الفيلم اختاره معهد الفيلم الأميركى ضمن أفضل 10 أفلام للعام الماضى، حشدوا له جيشا من النجوم مثل ليوناردو دى كابريو وميريل ستريب وجنيفر لورانس وكيت بلانشيت وغيرهم، وحتى أصحاب الأدوار الصغيرة كانوا نجوماً لهم اسمهم مثل المغنية اريانا جراندي ، ومعظمهم  تصدى لشحطات ترامب وأخطاء إدارته، وبخاصة خلال أزمة كورونا واقتحام الكونجرس.

والقصة جاءت بعد حالة استقطاب شديدة، عاشتها أمريكا خلال حقبة ترامب وإدارته، وحبس فيها العالم أنفاسه من أفعاله غير المتوقعة، كما جاءت بعد تحذيرات متكررة من زيادة سيطرة ثالوث رجال الأعمال والسياسيين والإعلام، على مقدرات القوة الأوحد فى العالم.

البداية فى أحد معامل الجامعات الأمريكية، حيث تقوم الباحثة التى تجهز لرسالة الدكتوراة فى البحث عن النجوم المحترقة، والصدفة وحدها تجعلها ترى بين أضواء النجوم والكواكب والأقمار كوكبا يسمونه قاتل الكواكب، يتجه بسرعة هائلة إلى الأرض، ويهددها بالدمار الشامل.

ولم تكن هناك مشكلة فى تأكد باحثة الدكتوراة ولا أستاذها من الكارثة المحتملة، بل فى الوصول لرئيسة الجمهورية أو إقناع وسائل الإعلام بالقصة. ورغم تمكنهما من مقابلة الرئيسة وطاقمها لخمس دقائق فقط، إلا أن الانكار والتهكم من جانب الرئيسة والإعلام يتملكهم ويصرون عليه، فالرئيسة غير مستعدة لأخذ الأمر على محمل الجد، ويكون سؤالها الأول: وكم سيكلفنا ذلك؟ أما الإعلام فيوافق على استضافة الطالبة وأستاذها، ولكن وسط فقرات تافهة وترفيهية من برامج الصباح، التى يطلقون عليها فى أمريكا برامج الصابون!

ولكن الحقائق تجبر الإدارة الأمريكية على أن تأخذ الموضوع بجدية، عن طريق أعداد من الصواريخ النووية، التى تعترض الكوكب وتحرفه بقوة عن مساره، بعيدا عن الأرض، لكن المنتفعين والانتهازيين كانت لديهم أفكار أخرى، فقد اكتشف رجال الأعمال الذين يوظفون العلماء أن "كوميت" وهو لقب الكوكب الذى أطلقته عليه الباحثة، غني بالذهب والفضة والماس والمعادن النادرة، التى تجعل كل سكان الأرض أغنياء، وبالفعل يتغير مسارالصواريخ بصواريخ تصنعها شركة رجل الأعمال، حتى تحقق الهدف الجديد. 

أرسلوا الصواريخ، وعندما قالوا لهم: وجهووها عن بعد، قالت الرئيسة: لا.. لا بد من بطل للقيام بالمهمة، واختارت نموذجا مثيرا للسخرية، لكن المهمة لم تنجح.

وعندما فشلت مهمة صواريخ رجل الأعمال، كان هو والرئيسة أول المنسحبين من غرفة العمليات، وادعيا الذهاب للحمام وهربا!

وبينما كان الكوكب يتجه إلى الأرض، نجد رئيسة الدولة وحاشيتها ورجل الاعمال على رأس مركبة فضائية، وبينما يتم تدمير الأرض، نجدهم وقد استيقظوا عراة فى كوكب بعيد، يظهر فيه طائر ملون غريب يختار الرئيسة ويهم بالتهامها، بينما يخرج ابنها مناديا عليها من تحت الركام.

ينشغل أبطال الفيلم بتناول العشاء الأخير، ولسان حالهم يقول: حذرناهم .. رجال الأعمال لم يهتموا، والرئاسة والسياسيون كانوا يتهكمون، والإعلام يموه ويضلل، فلماذا نهتم نحن؟

وبذلك.. يبقى فيلم (لا تنظروا إلى السماء) رغم بساطته ومباشرته، يحمل العديد من الرسائل: 

- أولها .. فساد الإدارة التى تحكم أكبر دولة فى العالم .. فناسا (وكالة الفضاء الأمريكية) ترأسها طبيبة تخدير لمجرد أنها كانت صديقة تسلى الرئيسة وتبرر لها افعالها التافهة، وابن الرئيسة هو نفسه كبير موظفى البيت الأبيض. والرئيسة معروفة بمواعيدها المتأخرة وعدم احترام العلماء والتركيز على تغريدات تويتر وركوب التريند والأكثر مشاهدة، وهى جاهلة وممثلة مبتذلة ومستغلة للظروف لأغراض انتخابية ولمنافسة الحزب المعارض، تماما مثلما كان  يفعل ترامب، الذى عين المقربين داخل إدارته، وعلى رأسهم زوج ابنته كوشنر. كما كان معارضا لقضايا المناخ والبيئة، وانسحب من معاهدة المناخ الدولية، وكان مؤمنا بنظرية المؤامرة، تماما مثل رئيسة أمريكا فى الفيلم، التى تحاول تحويل دفة القضية لخلاف مع المعارضين، الذين يريدون إسقاطها، ولا تكتفى بذلك بل تقف وراء الفوضويين والاضطرابات التى تقودها جماعة "لا تنظروا إلى السماء" ولا تحاولوا تصديق العلم أو العلماء، فهم مأجورون وخارج نطاق الزمن. تماما مثلما وقف ترامب (ولو من وراء ستار) مع الفوضويين الذين حاولوا عرقلة الانتقال السلمى للرئاسة إلى خصمه بايدن، بل واقتحموا الكونجرس. 

أما رجل الأعمال وشركته فى الفيلم، والذى يستغل المذنب لاستخراج المعادن لتصنيع رقائق الكمبيوتر وغيرها، وليكسر احتكار الصين لها، فيتحكم بشكل كامل في الرئيسة، ويقتحم الاجتماعات داخل البيت الأبيض، ويفرض رأيه على الجميع وأولهم الرئيسة التى ينهرها، ويضطرها إلى ترك الاجتماع الهام لتتحدث إليه، فتهرول لمقابلته تاركة المجتمعين داخل المكتب البيضاوي!

فهو نموذج لرجال أعمال مثل بيزوس وإيلون ماسك، الذين يتحكمون فى الإدارة الأمريكية، بل ويرسلون سفنا مأهولة وصواريخ للفضاء، عن طريق شركاتهما الخاصة وبمباركة الإدارة وووكالة الفضاء الأمريكية ناسا، ويتهمهم العالم بإثارة الفوضى فى الفضاء بعد الأرض.

وفى الواجهة.. ترى الإعلام مشغولا بالأخبار التافهة وتزييف الحقيقة ولقاءات الفنانين والمطربين وأحاديث النميمة والزواج والطلاق، ويعتبر الحديث عن العلماء والعلم من الموضوعات المملة.
----------------------------
بقلم: خالد حمزة

مقالات اخرى للكاتب

كلام والسلام | ربع الساعة .. الآخير !





اعلان