28 - 03 - 2024

المسجد يلزمه مدرسة وتكية لتعليم وإطعام الفقراء

المسجد يلزمه مدرسة وتكية لتعليم وإطعام الفقراء

كان الملوك والسلاطين خلال العصر العثماني والمملوكي يتبارون في بناء المساجد ليبقى اسم كل منهم على مسجد بالقاهرة، لكنهم مع بناء المسجد كانوا يبنون التكايا لإطعام الفقراء والمدارس لتعليمهم. 

ورغم مرور مئات السنين، بقيت تلك المساجد بمدارسها و تكاياها دليلا على جمال العمارة الاسلامية ودليلا أيضا على اهتمام هؤلاء الحكام بتوفير الطعام للفقراء والتعليم لأبنائهم.

وما زال مسجد ومدرسة وقبة السلطان الناصر حسن، أحد المساجد الأثريّة الشهيرة بالقاهرة والذي يوصف بأنه درة العمارة الإسلامية بالشرق وملحق به مدرسته لتشهد بضرورة أن يكون الدين والعلم متلازمين.

كما أن مسجد ومدرسة وقبة الناصر محمد بن قلاوون "بشارع المعز" أو المدرسة الناصرية، وهي المدرسة الملاصقة لقبة المنصور قلاوون والتي بدأ إنشاؤها في عهد الملك العادل زين الدين كاتبغا بعد خلع الناصر قلاوون من ولايته الأولى، ثم استكملها السلطان الناصر قلاوون في ولايته الثانية، لذلك حملت اسمه- شاهدة على بناء المسجد والمدرسة معا. وهكذا كان بناء المساجد في مصر يرتبط ببناء المدارس.

أكبر مسجد و أكبر كنيسة في الشرق الاوسط

شهدنا مؤخرا إعلان الانتهاء من تجهيز ثاني أكبر مسجد في العالم - بعد المسجد النبوي الشريف - بالعاصمة الادارية الجديدة ، وكذلك "كاتدرائية ميلاد المسيح" وهي الأكبر في الشرق الأوسط والعالم العربي. 

في البداية وعند الإعلان عن بناء المسجد والكاتدرائية كنت سعيدة ككل مصري يفخر بعظمة بلده ، لكنني وبعد أن سمعت تصريحات عن نقص عدد الفصول الدراسية والنقص الرهيب في عدد المدرسين، وبعد ان قرات عن أطفال قتلوا زميلا أو زميلين لهم في المدرسة أثناء معارك على المقاعد ، بدأت أسأل نفسي عن أهمية الأكبر والأضخم والأعلى في ظل الأكثر نقصا والأشد ألما والأكثر تأثيرا.

و تبادر إلى ذهني سؤال بعد أن قرأت الخبر بصيغة المقارنة مع المسجد النبوي - ومع كنائس الشرق الأوسط -  حيث قال الخبر(إنه أكبر مسجد بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة المنورة) و قال الخبر عن الكاتدرائية (إنها أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط) - و السؤال هو هل سيأتي ثاني أكبر عدد من الحجاج بعد عدد زوار المسجد النبوي، لزيارة مسجد الفتاح العليم، وهل يأتي اكبر عدد من الإخوة المسيحيين للحج إلى كاتدرائية العاصمة الإدارية.

بالتأكيد الإجابة لا .. 

لكن بالتأكيد أيضا أن القائمين على التخطيط لبناء المسجد والكاتدرائية بهذه المساحة، أخذوا في اعتبارهم الزيادة السكانية خلال السنوات والعقود وربما القرون القادمة، وهو أمر محمود ، فقد عانينا كثيرا في الماضي بسبب عدم التخطيط لمواجهة الزيادة السكانية المتوقعة في المستقبل.

وهنا يأتي السؤال الثاني: إذا كنا نهتم لبناء المسجد الكبير كما كان يفعل حكام مصر السابقين والكاتدرائية الكبيرة واضعين في اعتبارنا احتمالات الزيادة السكانية في المستقبل فلماذا لا نبني أكبر عدد من المدارس في العالم لتغطية عجز 250 الف فصل، بحسب تصريحات مسؤولي وزارة التربية و التعليم، ونجهزها في أقصر وقت ممكن واضعين في اعتبارنا أن تكون مساحة تلك المدارس كبيرة لتناسب الزيادة السكانية القادمة بنفس سياسة بناء المسجد والكاتدرائية وتجهيزهما!.

ويقفز السؤال الثالث وهو لماذا لا نوظف أو نعين أكبر عدد من المدرسين لتغطية عجز الـ 350 ألف مدرس، الذي يعاني منه أبناء مصر الطلاب، بحيث نأخذ في اعتبارنا أن هؤلاء هم بناة المستقبل ولابد من تعليمهم تعليما جيدا يتناسب والعصر الذي نعيش فيه.

وإذا كنا قادرين على إقامة الكباري العظيمة بهذه السرعة والكفاءة التي تتساوى ومثيلاتها في الدول المتقدمة، وقادرين على تأجيل دفع جزء كبير من التكلفة للتغلب على مشكلة توفير التمويل اللازم لإنشائها - وقد شاهدنا الرئيس في الصعيد وهو يطلب من المقاولين إقامة الكباري مع حصولهم على ربع التكلفة و تأجيل الباقي الى وقت لاحق وأعجبنا بقدرته على التفاوض معهم - فلماذا لا نبني أكبر عدد من أكبر المدارس خلال عام واحد بنفس الأسلوب ونعين أكبر عدد من المدرسين والموظفين وننقذ أكبر عدد من أطفال مصر من الجهل و التسرب من التعليم.

هؤلاء الاطفال الذين لا يجدون فصلا دراسيا مجهزا ولا معلما تربويا معدا جيدا لتنشئتهم ليكونوا أجيالا صالحة ونافعة للوطن، خاصة مع عجز أسرهم عن دفع تكلفة تعليمهم في المدارس الخاصة.

أبناء مصر هم أعظم ثرواتها، فالشعوب هي التي تبني الحضارات وهي التي تهدمها ، والجاهل والعاطل سيبقى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة لهدم كل بناء.

أبناء مصر في حاجة إلى رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي رعاية مباشرة وهو ولي الأمر. فلماذا لا يتولى الرئيس السيسي وزارة التربية و التعليم بنفسه حتى يذكر له التاريخ أنه أول حاكم في تاريخ مصر يتولى وزارة التربية و التعليم ليقف بنفسه على تعليم وتربية أبنائه وأحفاده من أبناء مصر.

سيادة الرئيس رجاءً أن تولي قضية التعليم اهتماما خاصا لا يقل عن اهتمامك بجيش مصر وبناء مصر.

هؤلاء الأطفال الذين لا يقدر أهاليهم على دفع تكاليف التعليم الخاص ولا يجدون فصلا دراسيا ولا معلما صالحا يربيهم و يعلمهم .

 أرجوك أن تعود بذاكرتك إلى مراحل تعليمك الأولى وكيف كانت المدرسة وكيف كان المعلم، وكما عهدناك مقاتلا على كل الجبهات، نرجوك أن تتولى قضية التعليم بمزيد من الإهتمام وأن تكون أنت حامل هذا الملف الخطير وكما رأينا إنجازات عظيمة في مجالات عدة في مصر، أثق أننا سوف نشهد في عهدك بناء أكبر عدد من المدارس الحكومية وتعيين أكبر عدد من المعلمين وتأهيلهم لإخراج أجيال على قدر يرضيك و يليق بتاريخ مصر من العلم و الخلق ويشكلون مستقبلها، ويجزيك الله بهم خيرا .
--------------
بقلم - إلهام عبدالعال

من المشهد الأسبوعي


مقالات اخرى للكاتب

خدمة العملاء و تعذيب المواطن





اعلان