28 - 03 - 2024

دبلوماسية «الردح» بين أمريكا وروسيا!

دبلوماسية «الردح» بين أمريكا وروسيا!

لطالما بدا جليًا، التنافس الإستراتيجي، لا يزال، بين قوتين عالميتين، أمريكا وروسيا، ومناطحة بعضهما البعض جراء كل ما يخدم ندية موسكو لواشنطن التي لا يغيب عن الكثيرين أن تصرفات عدة لها تشى بإيمانها الراسخ بالعالم ذي القطب الواحد، ومن ثم تنفيذ جميع الخطط التي تخدم مصطلح أمريكا أولا، وتسخير كل آلياته، حتى وإن أظهرت إدارة بادين التي تستشرف قمة جديدة مع بوتين، غير ذلك..

.. مساندة روسيا لإيران في برنامجها النووي، الأزمة الأوكرانية وانتشار قوات بوتين على حدود الدولة السوفيتية، أزمة كازاخستان الراهنة والتي سارع الرئيس الروسي بدعم قوات تابعة ما ساعد في سيطرتها على مطار أكبر مدينة في الدولة الكازاخية.. كلها وغيرها، ملفات تقف فيها واشنطن على النقيض من موسكو، فتفرض الولايات المتحدة العقوبات على شركات ومصانع أسلحة روسية تارة، وتهدد بفرض المزيد تارة أخرى، تتخلل ذلك تصريحات دبلوماسية بنبرة ناعمة حينا، وتهديدية أحيانا.

..الجديد في تلك التصريحات أنها بدأت تحمل شيئا من قبيل، "الردح البلدي" ربما على شاكلة "الدلعدي" و"فرش الملاية"، إن جاز التعبير بين وزيري خارجية البلدين..

وزير خارجية واشنطن أنتوني بلينكن صرح بأن كازاخستان قد تواجه صعوبة في إخراج القوات الروسية، مؤكدا أن "أحد الدروس المستفادة من التاريخ الحديث هو أنه بمجرد دخول الروس إلى منزلك، يصعب أحيانا إقناعهم بالمغادرة"، على حد تعبيره..

..روسيا ممثلة في وزارة خارجيتها يبدو أن هذا التصريح جاء على الوقيعة كما يقال، فاستشاطت غضبا وردت بالطريقة نفسها، داعية بلينكن إلى ضرورة مراجعة التدخلات العسكرية الأمريكية في جميع أنحاء العالم.

..الخارجية الروسية وصفت تصريحات الوزير الأمريكي بأنها "مسيئة تماما"، واتهمته بالاستخفاف بالأحداث المأساوية في كازاخستان، وقالت إن على واشنطن تحليل سجلها الحافل بالتدخلات في دول مثل فيتنام والعراق.

..وبعيدا عن الكوميديا السوداء، التي ستتم الاستزادة منها لاحقًا، و"فرش الملاية" بين طرفي الصراع، وكما يقال القارئ كالحالب والسامع كالشارب، إن جاز استخدام هذا المثل الشعبي في هكذا المقام، ربما ينبغي وضع واشنطن وموسكو في كفة رغم خلافهما الواضح، والبقية من الدول النامية وفي القلب منها نحن العرب في كفة أخرى.. فكثير من ممثلي بلدان "العالم الثالث" يهرولون صوب "ماما" أمريكا ويرتمون في أحضانها، ومنهم من يشبّه علاقته بواشنطن بالزواج الكاثوليكي

..ولموسكو نصيب كذلك، إذ تسعى بلا شك لخلق المنافسة واسترداد ولو جزءا من التوازنات أملا في استعادة أمجاد الاتحاد السوفيتي، مستندة إلى الصين القوة الاقتصادية العظمى المتشابهة مواقفهما كثيرا في مزاحمة الولايات المتحدة، وكسر فكرة الهيمنة التى بدأت تتهشم بالفعل، ولعل خروجها المخزي من أفغانستان التي مكثت فيها نحو عقدين من الزمن قبل أن تعود بخفي حنين رغم ما حققتها من أرباح نجمت عن الآلة العسكرية، نقول رجوعها من كابل وسيطرة طالبان بهكذا طريقة ودون تنسيق مع/ بل توريط المجتمع الدولي في إجلاء رعاياه وما شهده العالم من فوضى، خير شاهد على هشاشة القطب الواحد..

..تتكشف الحقائق بل النوايا أمام الدول التي تقف في الصف الثاني في مواجهة المهيمنين الكبار، ورغم إدراك ذلك مذ زمن الاستعمار، أو بالأحرى الاستخراب الذي نهش في أجساد العالم العربي أيما نهش، فإنه لم يع الدرس، وظل  يتهافت لخطب ود وكسب رضا وشراء سلاح ..

الوزارة الروسية، يا سادة.. قالت عبر قناتها على تطبيق تليجرام: "إذا كان أنتوني بلينكن يحب دروس التاريخ كثيرًا، فعليه أن يأخذ ما يلي في الاعتبار: عندما يكون الأمريكيون في منزلك، ربما يكون من الصعب البقاء على قيد الحياة وعدم التعرض للسرقة أو الاغتصاب"..

إذن..

ماذا تبقّى حتى يعي الصف الثاني الدرس ويعتمد على نفسه وينظر لمصالحه ويتوحد في مجابهة الغطرسة والطمع والهيمنة، سيما عندما تجد قطبي العالم الكبيرين، أحدهما يجثم على صدر من يدخل بيته، والآخر إذا جاءك فاحذر التعرض للسرقة أو الاغتصاب، بحسب دبلوماسية "الردح" بين أمريكا وروسيا؟!
--------------------------
بقلم: عزت سلامة العاصي

مقالات اخرى للكاتب

«العصفور المفترس».. هل أدرك المحتل حجمه؟





اعلان