19 - 04 - 2024

الراقصة والمتحرش!

الراقصة والمتحرش!

أحاول قدر الإمكان تفادى لعبة الترندات حتى لا أشارك فى تحقيق هدف من أراد أنه (يشتغلنا)، لكن موضوع المدرّسة التى رقصت فى رحلة نيلية فكرنى بأستاذة الجامعة التى تعرضت لهجوم كاسح لأنها رقصت فوق سطح منزلها. والحالتين فكرونى بحكاية وقعت منذ سنوات حين ذهبت إلى أحد المطاعم بمنطقة واشنطن مع مجموعة من الكتاب والصحفيين المصريين الزائرين. كانت الجرسونة مصرية شابة فكان من الطبيعي أن نتبادل معها الكلام وهنا ظهرت المفاجأة: هذه الفتاة كانت طالبة فى كلية الإعلام التى درسنا فيها، لكنها لم تكمل دراستها وقررت الهجرة… لماذا؟ هنا المفاجأة الأكبر: لقد تحرش بها أحد الأساتذة وضغط عليها وهددها إن لم تستجب لطلباته، ومع العجز والإحباط وجدت فى السفر حلًا وهروبًا مما تتعرض له. 

لم تقل لنا اسم الأستاذ المتحرش، لكن أحد الزملاء قال إنه فلان، وذكر لنا أن هذا أسلوبه. إذن هذه الفتاة لم تكن الأولى وربما ليست الأخيرة، حتى صار هذا السلوك معروفًا عنه. ومع هذا فإنه يحظى بالتقدير والاحترام فى مجتمع (متحرش بطبعه). لكن من يقبل بهذه الجريمة من أستاذ جامعى أو يسكت عنها ينتفض دفاعا عن الشرف الرفيع وهيبة التعليم والمعلم حين ترقص استاذة فى بيتها أو مدرّسة فى رحلة ترفيهية. لا يعنينى إن كنت تقبل منها الرقص أم لا فهذا اختيار شخصى لكل منا لايمكننا فرضه على الآخرين، لكن القضية فى ثورة مجتمعية مفتعلة دفاعا عن فضيلة مدّعاه وتُنتهك كل يوم تحت أعيننا، ثم فى إجراءات تأديبية لفصل الأستاذتين. من فصلوا المدرسة كان عليهم البحث عمن قام بالتصوير ونشر الفيديو لفضحها، ليتم ردعه ومحاسبته، فهى جريمة أخلاقية حتى لو لم تكن مخالفة للقانون. لكنهم أيضا جزء من مسرح العبث الذى صرنا نعايشه كل يوم. 

وبالمناسبة أيضا منذ سنوات كانت هناك حفلة ومسابقة فى مقر البنك الدولي بواشنطن للعاملين فيه، لتقديم فقرات فنية وثقافية تعبر عن الخلفيات العديدة التى جاءوا منها. كانت العروض جميلة من كل الجنسيات، لكن أجمل مافيها كانت فقرة الرقص الشرقى التى قدمتها مسئولة فى البنك وبسببها فاز الفريق العربى بالجائزة الأولى لأفضل عرض، وتحدثت بعدها مع هذه السيدة وكانت على أعلى مستوى من الثقافة والتهذيب وعبرت عن عشقها للرقص الشرقى بحكم خلفيتها الثقافية التى تمتد لإحدى الدول العربية. 

لايعنينى من يحب هذا أو يرفضه، فهذا اختياره الشخصى… المهم أن يحتفظ لنفسه باختياراته. أما إذا نقحت عليه الفضيلة والأخلاق فعليه أن ينظر حوله وسيكتشف أن الشرف الرفيع أصابه الكثير من الأذى، لكنه آثر الصمت، فهو لايرفع صوته فيما يستحق لكن فيما لايدفع ثمنه!
----------------------
بقلم: محمد السطوحي *
* إعلامي مصري مقيم في نيويورك والمقال من صفحته على فيس بوك

مقالات اخرى للكاتب

الراقصة والمتحرش!





اعلان