24 - 04 - 2024

#صباح_الخير_يارجائي .. خيرية شعلان تكتب عن رفيق روحها "أبو العيون متغمسة ابتسامة"

#صباح_الخير_يارجائي .. خيرية شعلان تكتب عن رفيق روحها

* الرقم الأهم في غرفة عمليات إدارة معركة القانون 93 حتى إسقاطه 

كانت انتخابات نقابة الصحفيين عام 1985 تتويجا لمشوار حبنا وعلاقتنا، ورغم أن التوفيق لم يحالفك وتفوز بعضوية مجلس النقابة - رغم ما حققته من تصويت جيد -  إلا أننا فزنا ببعضنا البعض ووضعنا أول لبنة في مشوارنا الذي امتد 35 عاما ومازال يجمع رصيدا من التواصل بيننا رغم الرحيل المؤلم الذي اختطفك في الثالث من يونيو 2020.

منذ وطئت قدماي مبني وكالة أنباء الشرق الأوسط في وسط القاهرة، أوائل الثمانينات، صحفية صغيرة منقولة من مؤسسة صحفية أخري، تبحث عن النجاح والتميز في مهنة اختارتها بنفسها ورفضت العمل في العديد من المهن المتاحة آنذاك .. كان العمل، والعمل فقط هو مرادي في ذلك الوقت، ولكن تغير المسار سريعا وصنعت القلوب مسارا آخر سرت علي هداه سعيدة مرحبة.

لقاؤنا الأول بين جنبات قسم مندوبي الأخبار، ووقتها كنت عائدا من أجازة أمضيتها بالعمل في إحدى جرائد الخليج لم تتعد العام، هروبا من صدمة وفاة شقيقك العريس في حادث عبثي قبل زفافه بأيام.

كنت مؤمنة أن حريتي وانطلاقي وتحقيق نفسي لا يصنعها أحدا سواي بدون شركاء. 

حين تعرفت عليك لمحت فيك ما لم ألمحه في رجل من قبل، وسامة الملامح المختلفة عن غيرك، ملامح واضحة ومحددة ومرسومة تؤكد أن صاحبها شخصية آسرة تقرؤها وتفهمها وتجذبك بمجرد أن تمر أمامك، فأعجبت بك، ووطد الإعجاب رجاحة عقلك وتوازن نفسك وتواضعك ورزانتك وسلوكك المحترم مع الجميع، تعلقت بك ورشق كيوبيد سهمه في قلبي، وكان خوفي أن يكون إعجابا من طرف واحد، لكنك فاجأتني باقترابك مني بما ميزتني به من تعامل خلق إعجابا متبادلا بيننا، كان هذا الإعجاب الخميرة التي أنتجت هذا الحب وأنضجته في فرن خرج منه طازجا فواحا يسر المحبين.

حينها أعاد عقلي ترتيب أولوياتي في الحياة والعمل. وتوالت الأحداث سريعا وصرنا أصدقاء ثم محبان تسري بينهما نغمات الحب الرقيقة، وكانت لحظتنا التاريخية الأولي حين قمت بلا ترتيب بمد يدك لتضم يدي ونحن نغادر باب النقابة في طريقنا للشارع، بعدما هنأنا زملاءنا الذين فازوا بعضوية مجلس النقابة ونظرنا لبعضنا البعض باسمين راضين بما حققناه من فوز بأنفسنا رغم خسارة الانتخابات.

 تعارف أهلنا وخطبنا، وفي نفس العام أعلننا خطبتنا أول مايو وتزوجنا في 17 نوفمبر من نفس العام.

كانت معركتك الانتخابية قد أبرزت لي جوانب لم أعرفها في شخصية من قبل، براعة الخطابة وموسوعية الثقافة النقابية والقانونية، والإلمام الكبير بقضايا المهنة والوطن وإيمانك بمهنتك ودور نقابتنا ليس تجاه الصحفيين فقط بل للمجتمع ككل.

ضمة اليدين فتحت آفاقا للحب واسعة ورحبة، نقلت لنا مشاعر حلوة وضخت لقلبينا دماء جديدة منحتنا عمرا وحياة لم نعشها من قبل.

أصبح لنا الآن عنوان جديد نسكن فيه، توالت بعدها خطوات الإعداد للحياة المشتركة معا وإشراك الأهل والأصدقاء فرحتنا ببدء مشوارنا الجديد الذي باركه الجميع، كانت المباركة في أغلبها محبة وفرحة بنا وكانت في بعض منها فرحة بالتخلص منا، حيث كنت متمردة على الزواج وحارت أسرتي في كيفية إقناعي بالزواج من طابور العرسان وطلاب الخطبة علي باب بيتنا كل يوم، كنتَ قدسيا في معبد الحياة، استبعدَ فكرة الزواج وخصص جُلَّ وقته وحياته للعمل العام والصحفي والإبداع والتفاعل مع قضايا الناس علي المستويين الخاص والعام.

كانت انطلاقتنا الكبرى حين رتبنا حياتنا وفقا لما رأيناه مناسبا لنا، وما يستلزمه مشوار الارتباط بيننا بعيدا عن تدخلات أو مفاهيم لا نعتنقها، ولم يكن لنا من مطالب لمن حولنا من أهل وأصدقاء سوي مباركة تجربتنا وتركنا ندير مشروعنا وفقا لما نرتضيه.

مضت بنا الأيام وأسسنا اسرتنا في مكان ناء في مدينة مايو الناشئة في ضواحي حلوان، وسعدنا بتحقيق حلمنا بطفلين جميلين سوسنة وحاتم، وكانا نموذجا صنع من عجينة حبنا تربيا علي يدينا وبين جفون عيوننا حتي وصلا لبر الأمان وفي رعاية الله ، لكنك ابدأ لم تهمل ما آمنت به تجاه العمل النقابي ولم تتوقف مشاركاتك في كل فاعليات النقابة حتي تقدمت مرة أخري عام 1995 للانتخابات ووفقت في عضوية مجلس النقابة وحظيت برئاسة اللجنة الثقافية وأعددت برامج للأنشطة الثقافية بكل أشكالها، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث فوجئ المجتمع الصحفي في يونيو من نفس العام بصدور قانون حبس الصحفيين 93 لسنة 95 وانقلبت حياتنا الخاصة والعامة ونزلنا جميعا غمار الدفاع عن الحرية والنقابة والمهنة، في هبة سيظل التاريخ يحفظها كعلامة بارزة في تاريخ نقابتنا، وكنت وجموع الشباب الذي نجح في الانتخابات مع شيوخ المهنة العظماء قادة هذه المعركة التي استمرت أكثر من عام ونصف حتي سقط القانون المشبوه وصدر القانون 96 لسنة 1996 متوجا نضال الجمعية العمومية للصحفيين ومجلسها الرائع.

كانت مهاراتك في الكتابة والصياغات وثقافتك الموسوعية في الشأن النقابي والقانوني سببا في توليك صياغة وكتابة كافة البيانات والخطابات والمراسلات التي استلزمتها المعركة، وكنت بفكرك الهادئ وخبرتك السياسية والحياتية رقما أساسيا في غرفة عمليات إدارة المعركة والتكتيكات التي حكمتها بما أوصل المعركة في النهاية الي بر الأمان.

ويعلم الجميع أن معركة القانون وفي شقها القانوني استلزمت خبرتك التي اكتشفها المجلس خلال هذه الأزمة، فكنت مكلفا من المجلس لتكون المتحدث في جلسات التفاوض مع المسئولين الرسميين لإسقاط القانون وفي لقاءات المشورة مع كبار المحامين والمستشارين القانونيين الذين تطوعوا لمساندة الصحفيين

في إحدي هذه المرات وأثناء نقاش حامي الوطيس مع الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء في ذلك الوقت، وحين أسقط في يده أمام منطقك في بعض النقاط بادرك الجنزوري سائلا: "هو رجائي بيه خريج حقوق" وقبل أن ترد بالنفي، فوجئتَ بالأستاذ إبراهيم نافع نقيب الصحفيين وعدد من أعضاء المجلس يردون بسرعة علي رئيس الوزراء: نعم نعم خريج قانون.

كان ختامها مسكا وانتهت الأزمة بعد أن أجدت أنت وصحبك من أعضاء المجلس والنقيب إبراهيم نافع ومن ورائكم جمعية عمومية واعية وحاضرة ووفية لمهنتها ولنقابتها بشبابها وشيوخها، في إدارة معركة من أصعب المعارك التي خاضها الصحفيون، بدأت المعركة بتعاطف ودعم الوطن ككل من نواب برلمانيين ومجتمع مدني وفنانين وكتاب ومواطنين عاديين، التقيتم كافة مسئولي الدولة حتي وصلتم لحسني مبارك وأقنعتموه بمطالبكم وحقوق الصحفيين وضرورة إسقاط القانون الظالم.. جعلتموها معركة سيأتي يوم يستحق كل من خاض غمارها التكريم والتقدير. 

عندما كانت الساعة تدق التاسعة صباحا نكون قد وصلنا لمقر النقابة في شارع عبد الخالق ثروت.. قمنا معا بهذا الفعل على مدار أكثر من 35 عاما، شهدنا معا كل مواسم الانتخابات الصحفية والفاعليات النقابية ومعارك الدفاع عن الحقوق والحريات. عشنا معا أياما تاريخية لم نتخلف يوما عن واحدة منها منذ أصبح كل منا صحفيا وعضوا في هذه النقابة.

ولم يقف دعمك واهتماماتك عند النقابة المصرية بل امتد لدعم ومساندة النقابات العربية واتحاد الصحفيين العرب الذي كنت ممثلا به لنقابتنا، وتعلم على يديك الكثيرون أدبيات العمل النقابي والصحفي.

الميرغني صاحب القامة المهنية وأستاذ النقابيين الذي عرف على يديه الكثيرون، كيف يكون العمل النقابي، والأداء المهني، والانتماء للصحافة، ويدين له كثيرون، أفرادا، ومؤسسات بعطاء لم يتوقف يوما لهذه المهنة وهذه النقابة.

لم تكن لنتخلف يوما عن المشاركة في أي استحقاق نقابي، لقبت بسيادة النقيب، وسيادة المستشار، والأستاذ، النقابي النابه، الضمير وكان ضمن ألقابك ما منحك إياه نقيب النقباء كامل زهيري " أبو العيون متغمسة ابتسامة  ".

كانت آخر انتخابات شهدتها في مارس 2019، وأذكر الآن بألم مقولتك لي ونحن عائدون بعد انتهاء فاعليات الحدث .. ديه أخر انتخابات أحضرها، ساعتها تصورت أنك يئست مما أصاب المهنة والنقابة، ولكن للأسف لم أدرك مغزي كلماتك إلا بعد الرحيل.

كانت آخر كلماتك التي قلتها تشرح الداء وتصف الدواء .. 

"الصحفيون يعانون اليوم من نقص حاد في حرية الصحافة، وضياع هيبة كارنيه النقابة، ومن الفصل التعسفي والتشريد والقبض العشوائي وتدنى الأجور، ولم يتبق لهم إلا الوعود بالسيارات ومنفذ يبيع منتجات جهاز الخدمة الوطنية يوميا عند مدخل النقابة، والشراء بكارنيه النقابة!!!"

حذرت يومها من الغفلة وتراجع الهمة والتهافت على الفتات حتي لا ترجح كفة أسوأ الخيارات للصحافة والصحفيين فى انتخابات نقيب الصحفيين والتجديد النصفي لأعضاء المجلس.

وتخوفت في أخر مشاركاتك في 2019 من أن يكون الجهل بقيمة النقابة المستقلة ودورها في حماية الكيان الصحفي والدفاع عن الحريات العامة ، يسلمها للمجهول. وأنه لا عزاء لتيار الاستقلال النقابي سوى الرهان على قدرته على إيقاظ الغافلين قبل أن يفوت الأوان، واستنهاض همة الجاهلين بأسباب قوتهم التي يستردون بها حقوقهم المغصوبة والمشروعة.

قليلون هم الصحفيون الذين يعملون في صمت ويتسمون بالرصانة والحرية المسئولة غير المنفلتة .. كنت أنت في صدارة أولئك نموذجا تشرفت به الصحافة المصرية كواجهة نقابية محترمة تختار أعمالها وألفاظها وقضاياها بدقة مما يعكس المستوى الثقافي والمهني الراقي.

طبت حيا وروحا سخية تحلق في آفاق لا نهاية لها.

في الانتخابات الأخيرة 2021 لنقابة الصحفيين تلقيت العديد من المكالمات والرسائل تنعي غيابك وتؤكد استشعارهم انفاسك الطيبة في جنبات المكان واحطتهم بصوتك يصدح بالتحيات والسلام كما تعودوا.

قالوا لي:

 *تصدقي بالله كنت بدور عليه وملأت عيوني الدموع لما مالقيتهوش

 *سلام عليه وعلى أحبابنا الراحلين

 *افتقدناه اليوم جسدا ولكنه دائما حاضر في عقولنا وقلوبنا

*نعم كانت الانتخابات فرصتنا لنلقاه خاصة بعد ان ترك العمل النقابي رسميا وبقي رمزا نقابيا بمحبتنا له التي بقيت الى اليوم

 *رحم الله الاستاذ الرمز 

 *لم اقدر أحدا مثلما قدرت الاستاذ كامل زهيري والأستاذ رجائي

* أستاذي رجائي الميرغني أحتفظ له بكل التقدير حتى بعد رحيله عن الحياة ...

 *آخر جمعية عمومية في النقابة كانت مارس 2019 تحدث فيها الأستاذ رجائي رحمه الله رحمة واسعة، وكان يجلس في الربع الأول من الجانب الأيمن من باب القاعة، أنا لا أنسى هذا المشهد. 

 *لا أنسى شعوري بالسعادة لأني عاصرت كبار النقابيين الحقيقيين وعلى رأسهم الأستاذ رجائي

*  أنا شفت استاذ رجائي وتعاملت مع الأستاذ الكبير علما وخلقا أكثر من مرة رحم الله الرمز النقابي والمهني الكبير 

* الأستاذ كان دائم الدعم لشباب الصحفيين كان لينا تجربة اسمها "المجلس العربي لشباب الإعلاميين" كان داعما قويا لنا ، وحضر بنفسه لمقرنا كمحاضر ومعلم ومستمع وكل مرة كان يدهشنا بعلمه الغزير وتواضعه الجم وروحه الطيبة.

*  شرفنا بمشاركته لنا الاحتفال بعودة البديل في مقرها عام 2012

* ‏ بوصلتنا في أصعب اللحظات

* ‏ الضمير

هكذا كنت لجموع الصحفيين .. وأكثر.
-------------------------
خيرية شعلان
2021/12/20
من المشهد الأسبوعي

مقالات اخرى للكاتب

#صباح_الخير_يارجائي .. خيرية شعلان تكتب عن رفيق روحها





اعلان