31 - 10 - 2024

التأثير النفسي على الإبداع

التأثير النفسي على الإبداع

منذ أن حل فيروس كورونا 2019 والناس في ذهول، الأمر الذي أدى إلى زيادة حالات الإصابة بالاكتئاب، والذي جعل البعض يبالغ في الحذر، وتحول البعض إلى حالة من اللامبالاة لقناعات خاصة بأن الحذر لن ينجيك من القدر، أو ربما اليأس من الحصول على نتائج آمنة، وكان لتأثير الاكتئاب على الإبداع قراءات وأبحاث كثيرة، لم تبدأ بظهور الفيروس، فالعلاقة بين الاثنين قائمة منذ ظهورهما.

ترى غالبية الأبحاث أن الإبداع يزيد من المشاعر الإيجابية، ويقلل من أعراض الاكتئاب والتوتر، ويحسن أداء الجهاز المناعي، ويبقى السؤال: ماذا بعد الإبداع؟ وما النتائج التي يحصل عليها المبدع بعد أن ينتهي من حالته الإبداعية ويقوم بطرحها على الجمهور؟

ليس هناك خلاف من أن الإبداع له تأثير إيجابي يقلل من التوتر والاكتئاب، ويمنحنا المزيد من الاحتمالات في حياتنا، يحدث هذا أثناء القيام بالعملية الإبداعية، ويكتمل حين يشعر المبدع بمردود إنتاجه على الجمهور. فماذا يحدث لو اختفى الجمهور أو تجاهل المنتج؟ ما هي ردة الفعل التي تنعكس على المبدع حين يقيم معرضا على سبيل المثال ولا يجد جمهورا يرضي ذاته، ولا مقتني لأعماله؟ وهل زيارة بعض الأصدقاء للمعرض ساعة الافتتاح كافية لرفع الحالة المعنوية لدى المبدع؟

أتفق مع كل الباحثين على ضرورة ممارسة الفن والإبداع لدى جميع البشر، فالأنشطة الإبداعية من التشكيل بالطين والرسم، وابتكار سيناريوهات بالدمى والألعاب والنقر على الطبول والأواني، وكتابة الشعر والقصص والعزف والغناء، وغيرها من الفنون تقلل من التوتر والقلق لدى جميع البشر ويحصلون على نتائجه حال انتهائهم من النشاط، لكن المبدع يحصل على جزء من النتيجة وينتظر اكتمالها بعد عرض إبداعه على الجمهور وتلقي ردود الفعل.

انتشرت قاعات عرض الفن التشكيلي في السنوات الماضية وزادت حتى بعد ظهور وباء الكورونا على أمل محاصرة المرض ومعاودة النشاط، وتحمس العديد من الفنانين للإبداع والإنتاج الغزير في حالة من التحدي وكسر حالة الخوف والهلع بداخلهم. وفي بداية الوباء شاركهم الجمهور هذا التحدي الذي أعطى الأمل لأصحاب قاعات العرض. ولكن سرعان ما انطفأ الحماس بعد سقوط الضحايا بسبب الاختلاط والزحام؛ الأمر الذي أدى إلى التراجع من قبل الجمهور خوفا من العدوى، كذلك تراجع المقتنين بحسابات الحاجة، والصرف في الضروريات، أيضا كان للظروف الاقتصادية دور كبير في هذا التراجع. ووقف الفنان وصاحب القاعة في حيص بيص. زادت التكاليف المادية على كليهما؛ فالفنان الذي يشتري الخامات والأدوات والإخراج المرتبط بالبراويز وصب المنحوتات وخلافه على أمل الحصول على الدعم الأدبي والمادي من الجمهور، وصاحب القاعة الذي يقوم بدفع فواتير الكهرباء والموظفين والضرائب، وينتظر العائد المادي من النسبة التي يحصل عليها من البيع، كل هذا ذهب أدراج الرياح إلى أجل.

لم يكتف المقتنون بالعزوف عن الشراء ولكن من يقدم على الشراء يقوم بالفصال وتقليل سعر الأعمال، الأمر الذي وصل إلى حصول الفنان بعد خصم نسبة القاعة على قيمة تكاليف العمل.

أدى هذا أيضا إلى المزيد من التغيرات في استراتيجيات المبدعين ورؤيتهم، وإجراء المزيد من التغيرات في فلسفتهم لإرضاء قطاع غير المثقفين من المقتنين والذين تبهرهم الألوان والغموض لكونه غموضا وفقط، الأمر الذي دفع العديد من الفنانين إلى الانجرار إلى هذا الاتجاه الذي لا ينتج إلا فنا خفيفا لا يعيش ولا يؤثر طويلا.

هل يحقق الإبداع تحسين الصحة العقلية وتقليل الاكتئاب والتوتر في مثل هذه الظروف؟

الفن التشكيلي يختلف عن الفنون الأخرى ككتابة الشعر أو الأدب بشكل عام والذي يجد قنوات كثيرة للوصول إلى الجمهور سواء بالنشر المطبوع أو من خلال الإنترنت، ولا يوقف هذا التواصل إغلاق الحكومات للمدن، ولا عمليات العزل الاجتماعي للسكان، ولا المنع من وجود تجمعات، لكن الفنان التشكيلي يتحمل نفقات كثيرة في مواجهة هذا لكي يصل عمله إلى مشاهديه؛ لذلك فإن تقليل الاكتئاب لديه مرهون بشروط كثيرة أثارها سلبية تعيد للفنان حالة الاكتئاب التي تخلص منها أثناء عملية الإبداع.

بعد كل هذه المعاناة التي يواجها الفنان التشكيلي الآن أكون قد أجبت على السؤال الذي طرحته في المقدمة: ما النتائج التي يحصل عليها المبدع بعد أن ينتهى من حالته الإبداعية ويقوم بطرحها على الجمهور؟

إن الاكتئاب مؤشر إيجابي للإبداع ويعززه إلى حد ما ، وإن الأفراد الذين يتمتعون بقدر أكبر من المرونة النفسية هم أكثر إبداعًا من أولئك الذين لديهم مرونة نفسية أقل، حيث يتعلق الأمر بما إذا كان بإمكانهم استخدام الاكتئاب بشكل فعال وإلى أي مدى يمكنهم استخدام الاكتئاب كمصدر عاطفي، ويبقى الجانب الاقتصادي الداعم المهم لتحقيق كل هذا.
---------------------------
بقلم: سامى البلشى
من المشهد الأسبوعي

مقالات اخرى للكاتب

وداعا شيخ الحفارين حازم فتح الله