21 - 09 - 2025

هبة النجار تكتب: "قليل من النفاق لا يضر"

هبة النجار تكتب:

النفاق صفة ذميمة ترفضها الفطرة السليمة؛ وتأباها النفوس الطيبة، وقد أصبح أسوأ الإخفاقات الأخلاقية التي تمر بها المجتمعات، وحيث المصالح فثم أوجه النفاق وفيها يتلون أصحابها بألوان غير واضحة في المواقف التي تحتاج في التعبير عنها إلى صراحة الألوان والكلمات. 

وقد تضطرنا المواقف ذاتها إلى التملق والمداهنة لنصل إلى نفس الوجهة -النفاق- لنقع في فخ- القليل من النفاق لا يضر- ففرق بين المجاملات اللطيفة أو الإصلاح بين الناس وبين الكذب العيان الذي حذر منه رسولنا الكريم بأنه أمارة من أمارات النفاق وأن المنافق هو الذي يكذب في حديثه ويخون الأمانة ويفجر في الخصومة ويخلف الوعود. وفي العرف العام المنافق هو صاحب الوجهين الذي يقابلك بوجه وفي غيابك بوجوه أخر، وكم وضعتنا الظروف والأحوال القاسية لمقابلة هذا النوع من البشر الذي لا يعتد لقيم أو مبادئ أو دين وقد نخوض التجربة عن غير قصد والنفس تميل لمدحها وذكر محاسنها وتمثيل الآخر بأنه الأقل والأوضع، ليصبح التملق وسيلة سهلة لبلوغ الأهداف الشخصية ورضا المسؤولين والذين هم بدورهم من يعززون هذه الظاهرة، وعادة ما يبرر الناس بقولهم  أن الظروف والأزمان تغيرت.

 والزمن  براء من كل ذاك الذي اختلطت فيه المفاهيم والمواقف كما تلونت الحياة بألوان باهتة، ولم يكن للزمن نصيب من هذا العبث إنما نحن من لوَنا الحياة بأشخاص بلا روح وبلا معنى ليصبح التملق عادة الجميع والنفاق طبع عادي لترتبك الأحوال وتتطاير الأوراق إلى وجه آخر لثُلة من الإخفاقات الأخلاقية ومنها الوقاحة وهي: قلَّة  الحياء الاجتزاء  على اقتراف القبائح وعدم احترام الآخر والخروج بتصريحات مؤذية  نعبر فيها  عن مواقفنا الشخصية إزاء تصرفات البعض  لنثبت لأنفسنا وللمحيط أننا متمتعين بالصراحة والوضوح ونبرأ ذمتنا من مذمة النفاق لنقع في بئر الوقاحة التي في نظري لا تقل ضررًا عن وصمة النفاق .

وللخروج من كل هذا لابد من اتباع السلوك المعتدل بمعاييره وقيمه ، والقدوة الحسنة لأولادنا وتنشئتهم على معايير دينية وأخلاقية، وقطع الطريق على المنافقين ومجاهدة النفس تصبح  واجب الجميع، فالكذب سيظل كذبًا مهما حاولنا تزيينه وتبريره، وتلوينه، ونقض العهود لن يصير مصالح وأحداث طرأت، وأحوال استجدت، وهو الحال في الفجور في الخصومة فلم تتبدل الأخلاق الحميدة يومًا، إنما هي أنفسنا التي زيّنت لنا القبيح والمرفوض، وتبقى الفطرة السليمة التي سنعبر بها  كل هذه الأمواج العاتية ليخرج االزَّبَد والخبث وتسقط الأقنعة المزيفة من حولنا،  ويمكث ما ينفع الناس راسخًا في القلوب والأفهام وننجو بأنفسنا من دائرة الاستهتار والدنو الأخلاقي؛ ليصبح القليل من النفاق ضار والوقاحة ضِرب من سوء الأخلاق  والخديعة والمكر انزلاق في مستنقع النفاق، وغياب صور الرجولة تمييع لسمات المجتمع وسقوط للمبادئ والأخلاق.

  ونستعيد إلى مجتمعاتنا قيمه الإنسانية والدينية  وعاداته من  المعاملة الحسنة والكلمة الطيبة وقول الحق في مواقف ظهور الباطل، وإغاثة  الملهوف ونصرة الضعيف  لنرى الحياة بألوانها الحقيقية نعرف الأبيض والأسود منها  ونميز اللون الرمادي.  


د. هبة النجار
باحثة بأروقة الجامع الأزهر"قليل من النفاق لا يضر"