24 - 04 - 2024

المصريون والإخوان: مجتمع عائل في مواجهة جماعة فيروسية

المصريون والإخوان: مجتمع عائل في مواجهة جماعة فيروسية

نقطة قوة ونقطة ضعف جماعة الإخوان المسلمين التي يدفع المصريون ثمن فكرتها الشيطانية منذ أن نبتت في رأس مؤسسها "حسن البنا" أنها تنظيم بلا فكر. فالجماعة ليست إلا تنظيما فقط، تنظيم استفاد تحت زعامة "البنا" من أدبيات التنظيمات النازية والفاشية العلنية التي ظهرت وانتشرت بين الحربين العالميتين، واستفاد تحت زعامة منظّره "سيد قطب" من واقع التنظيمات الماركسية اللينينية السري، ومن قبل ذلك استفاد من تراث التنظيمات العباسية والعلوية في التاريخ الإسلامي وعلى رأسها تنظيم الحشاشين الإسماعيلي الشهير برئاسة شيخ الجبل "حسن الصباح". مما يعني أن المصريين يجدون أنفسهم مع الجماعة في مواجهة شبيهة بمواجهة الجسم لفيروس (تنظيم) خفيف الحركة وسريع الانتشار لأنه بلا فكر ولا رؤى تثقل حركته وتبطيء انتشاره. 

مناط الشبه المؤكد بين المواجهتين الإخوانية والفيروسية أن الجماعة مثل الفيروس تستطيع أن تنسج من خلاياها الخارجية نسخا شديدة الشبه بخلايا الجسم الأصلية، من خلال تقمصها وتبنيها في الظاهر لنفس مظهرها أو لنفس مقولات الأيديولوجية الدينية السائدة في المجتمع، وإذا كان الفيروس الحقيقي يقوم بتبديل شفراته ليتكاثر على حساب خلايا الجسم الأصلية ويضعها في وضع تدمير ذاتي لنفسها ومنظومتها العضوية، فإن خلايا الجماعة تقوم بنفس العمل من خلال تغيير الشفرات الجينية للأيديولوجية الدينية السائدة في المجتمع لدى الفرد، بتحويرها من شفرات روحانية وأخلاقية إلى شفرات سياسية وسلطوية، ومن ثم توجيه الخلية الإخوانية الفيروسية - بعد غزوها - باتجاه تدمير كيانها الذاتي وكيانها الكلي العضوي في صراع استنساخ رهيب هدفه السلطة.

هذا التصور - الذي قد يعتبره البعض تصورا خياليا مجازيا - هو المضمون الواقعي الذي يشرح به "حسن البنا" في "رسالة التعليم" مراحل النمو الفيروسي (التنظيمي) للجماعة، وهو يقسم نمو التنظيم الإخواني إلى ثلاث مراحل: مرحلة التبشير والتعريف، ومرحلة التكوين، ومرحلة التنفيذ. المرحلة الأولى خداعية يعتمد خلالها التنظيم على وحدات إدارية (أسر وكتائب ومناطق ومكاتب وخلافه) تعمل للخير العام وتقيم المنشآت النافعة، تتوجه بها الجماعة للجميع ويبقى بابها مفتوحا لكل من أراد الانضمام إليها، وهي مرحلة توازي دخول الفيروس للجسم وتكيف غلافه الخارجي مع هيئة خلايا الجسم العادية. لكنه في المرحلة الثانية - ويسميها مرحلة التكوين - يدخل في حالة بناء، ويقصد بها بناء دولة (داخل الدولة) وتجهيز وإعداد العدة والعتاد لغزو المحيط، وهي توازي مرحلة التكاثر الفيروسي وإنتاج نسخ طبق الأصل من خلاياه في هدوء قبل بدء الهجوم الشامل الصاخب الأخير. ليصل التنظيم عند مؤسسه إلى المرحلة الثالثة - وهي مرحلة التنفيذ - وبها يكون قد استكمل تحوره وبناء نسخ (خلايا) كافية لبدء الهجوم المضاد، من خلال قتل خلايا الجسم الأصلية بعد إنهاكها، ولذلك يعتبرها "البنا" مرحلة جهاد لا هوادة فيه وابتلاء وامتحان للوصول إلى الغاية، والغاية بالطبع التمكن والسيطرة (السلطة) بعد مسخ وتغيير أوسع مساحة من مكونات الهوية الوطنية في المجتمع وتدمير مراكز سيطرته الحيوية بشكل شامل.

غياب الفكر عن جماعة الإخوان سهّل حركتها وجعل من الهين بالنسبة لأعضائها الاعتماد على ما يسمونه "سرية التنظيم وجهرية الدعوة"، فما يدعو له الإخوان هو "الإسلام" في مجتمع مسلم بالفعل!. ومن هنا يصبح من الممكن الجهر بالدعوة الإخوانية في دوائر المجتمع المختلفة دون التخلي عن سرية التنظيم، لتتمكن الجماعة في حالتها تلك من تجنيد أو استنساخ أعضاء جدد، واصطيادهم باستمرار من المحيط الاجتماعي الواسع. بعد التجنيد تبدأ عملية تغيير الشفرات الجينية للخلية عبر إعطاء المجندين تعريفات مختلفة لمفاهيم الإسلام، بما في ذلك تعريف الإسلام نفسه الذي يتحول - طبقا للجماعة - إلى الجماعة نفسها، غاياتها هي غايات الإسلام، ودعوتها هي دعوة الإسلام، ونصرها هو نصر الإسلام، ووصولها إلى السلطة أسمى أماني الاستشهاد وطريق دخول الجنة!. في المقابل يتحول المجتمع بشكل تلقائي إلى مجتمع كفر وجاهلية، وهزيمته والقضاء عليه هو انتصار لإسلام الجماعة.

وكما أن غياب الفكر هو نقطة قوة (انتشار) الجماعة فهو كذلك نقطة ضعفها ومقتلها في حرب صفرية تفرضها دوما على المجتمع. تلك المواجهة تأتي حتما في أعقاب حالة من التعايش الخداعي يمارسه الإخوان ريثما يتمكنون من إعداد أنفسهم للحظة الصراع، وهو ما يشكل مأزقا خطيرا لكل المجتمعات التي تحتضنها، فكلما فشل هجوم للجماعة تعود بسرعة إلى حالتها الأولى الدفاعية متظاهرة من جديد بالتعايش والسلمية والوداعة في انتظار لحظة أخرى تحين بعد الإعداد. وهي الخطورة التي يستشعرها كل من اقترب من تنظيم الإخوان من السياسيين والمثقفين. وما شرحه بوضوح وبراعة الضابط الفارس والسياسي الوطني "خالد محيى الدين" في مذكرات له بعنوان "الآن أتكلم". 

يتحدث "خالد" عن لقائه الأول بالصاغ "محمود لبيب" مسئول جماعة الإخوان في الجيش خلال فترة الأربعينيات، وكانت الجماعة آنئذ تحاول تكوين خلايا لها في أسلحة الجيش المختلفة، يقول: "ذهبت في لقائي الأول ومعي عثمان فوزي، وبدأ محمود لبيب يتكلم في تؤدة ويتطرق إلى موضوع الدين دون تعجل، كان يعرف أن محركنا الأساسي هو القضية الوطنية، فظل يتحدث عن هذا الموضوع ولكن بنكهة إسلامية، وكنت ألح في استخراج إجابات محددة عن أسئلة شغلت بالي طويلا، الوطن وكيف سنحرره وبأية وسيلة؟، وما هو الموقف من المفاوضات (يقصد مع الإنجليز)؟". بالطبع لم يكن لدى الإخوان أية إجابات على أسئلة "محيى الدين" لأنهم في الواقع بلا فكر ولا رؤية، ولأنهم لا يملكون في الحقيقة غير تلك "النكهة الإسلامية" التي تتمكن بها الجماعة من إفراغ العضو المستهدف من أسئلة الفكر والسياسة الواقعية، لتستلبه من ذاته وواقعه ومجتمعه، وتخليه من مضمونه الإنساني وغاياته الوطنية، ليتحول بسهولة إلى أداة تنفيذية لأهداف الجماعة، أداة مسلوبة لا تملك غير السمع والطاعة، ويحركها التنظيم بشكل سلطوي، ليقوده إلى النهاية المحتومة وهي تدمير ذاته ومجتمعه. 

هذا التحليل لوضع الجماعة تؤكد مذكرات "خالد محيى الدين" أن زعيم الضباط الأحرار "جمال عبدالناصر" تمكن من إدراكه قبل الجميع ومن أول لحظة، ولذلك استمر حتى لحظة توضح القطيعة بين الضباط والجماعة يطرح الأسئلة، يقول: "كان يعتقد أن الإخوان يريدون استغلال الضباط ليكونوا أداة في أيديهم لمنحهم مكانة سياسية بوجود نفوذ لهم في الجيش، لكنهم لم يقدموا شيئا للقضية الوطنية، وكان جمال يلح في الاجتماعات: "إذا كان لديكم نصف مليون عضو وأربعة آلاف شعبة كما تقولون، فلماذا لا نبدأ بعمليات ضرب ضد الاحتلال ومظاهرات وتحركات جماهيرية؟!". الإجابة التي وصل إليها "عبدالناصر" ولم تأته من الجماعة، هي أن هدفها ليس معركة ضرب الاحتلال بما تقتضيه من مغامرة وتضحيات، ولكن الهدف هو وصولها للسلطة، ولو برضاء وتحت رعاية وحكم الاحتلال. أما التحركات الجماهيرية فلم تكن أبدا من الأدوات الملائمة في نظر جماعة بلا فكر، بقدر ما يلائمها العمل السري والضربات الإرهابية، لأن تنظيم الإخوان يبقى حتى النهاية كالجسم الغريب الذي يقتات بضعف المجتمع "العائل له" ولا يسعى مطلقا لقوته، ولا لاستفزازه لتحقيق أهداف وطنية لا علاقة لها بأهداف الجماعة السلطوية.
--------------------------
بقلم: عصام الزهيري

مقالات اخرى للكاتب

222 عاما على ثورة القاهرة الثانية: هل يكفي صدق الدافع الوطني لصنع ثورة؟





اعلان