السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أتقدم إليكم برسالتي تعبيرا عن امتناني الشخصي وامتنان العاملين والمنتمين للجمعيات الأهلية بإعلان عام 2022 للاحتفال بالمجتمع المدني؛ فقد اطمأنت قلوبنا أن رئيسنا لديه اليقظة الكاملة التي تجعله يستقريء حاجة مختلف فئات وقطاعات الوطن، وأخص بالتحديد الجمعيات الأهلية. والمثير للأمل، هو خروج ذلك الإعلان بالتزامن مع إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي تعتبر قمة المخرجات والنتائج التي تحلم معظم الجمعيات بتحقيقها.
السيد الرئيس، كان تخصيص عام للاحتفال بالعمل الأهلي أمنية لديّ، يعلم بأمرها المقربون من الأصدقاء الذين جمعتنا سنوات خبرة فاقت 30 عاما في مجال العمل بالجمعيات الأهلية، بالتوازي مع الكتابة الصحفية. ماجعلني أحلم بتقديم مقترحي إليكم، وإذا بالحلم يتحول إلى حقيقة! فتشجعتُ لمخاطبتكم.. ببساطة ما أحمله من هموم لما يعتري هذا القطاع من بعض المعيقات، وبساطة ما أراه من آمال الزملاء الذين اختاروا العمل بالجمعيات الأهلية، كرسالة وواجب اجتماعي. في ظل الجهود الشجاعة التي تبذلها الدكتورة نيفين القباچ وزيرة التضامن، وفريق عملها لتحويل رؤى التنمية لواقع ملموس.
2 بليون جنيه
بلغ حجم التمويلات الأجنبية الممنوحة للجمعيات الأهلية في مصر 2 بليون جنيه لعام 2020- كما ذكرت السيدة الوزيرة؛ وهو رقم كبير في حد ذاته، ولكنه لا يقارن بجهود الجمعيات التي بلغ عددها حوالي 52 ألف جمعية و59 منظمة أجنبية غير حكومية بأنحاء الجمهورية. ساهمت في إحداث تغيير نوعي ببعض فئات المجتمع، بينما تستطيع الجمعيات، لو تفاعلت بكامل طاقتها، أن تساعد الحكومة على إحداث التغيير الذي نطمح إليه!
فمنذ إقرار المادة 30 من دستور 1923 بمنح الحق للمصريين في تكوين الجمعيات حتى تاريخ إصدار قانون العمل الأهلي الأخير 149 لعام 2019، مرفقا باللائحة التنفيذية، والملاحظ دائما هو اهتمام القانون في المقام الأول بالمواد والبنود القانونية المتعلقة بأمر التمويلات.. لكنها لم تقترب كثيرا من الأسباب الخفية للفساد البشري الذي يدير التعامل مع ذلك المال. بداية من أعضاء الجمعيات العمومية، وأعضاء مجالس الإدارة، والمديرين التنفيذيين، وفريق العمل.. حتى الجهة الإدارية، بجميع وحداتها وفروعها، ومختلف إداراتها، والوكالات ومكاتب الشئون والتأمينات. فإن فسد طرف بتلك المنظومة.. فسد جسد العمل الأهلي كله!
الجمعية العمومية
ويعرف العاملون داخل الجمعيات أن التفاصيل الصغيرة يسكنها الشيطان، وإن كان لا يصعب كشف مواطن الفساد فيها. فلم تتضمن اللائحة التنفيذية لقانون 149 لعام 2019 – على سبيل المثال- بنودا تمنع تلاعب أصحاب المصالح -داخل الجمعية العمومية- بمسألة فتح باب عضويتها لبعض الشخصيات دون غيرها! من الأقارب والمعارف والأصدقاء، وبعض الموظفين الذين يختارهم أصحاب المصلحة بعناية للاشتراك في عضوية الجمعية العمومية، ويدفعون لهم قيمة الاشتراك السنوي، ولو بدون رغبتهم؛ لاستخدام أصواتهم لصالح انتخابات أعضاء مجلس الإدارة، ولصالح القرارات المطلوب التصويت عليها! بينما لم تذكر اللائحة أي بند بمساءلة مجالس الإدارة لرفضها انضمام الشخصيات المطابقة للمواصفات.. ممن يختار أصحابها الانضمام لعضوية الجمعية العمومية، برغبتهم!
مجلس الإدارة
والأكثر حساسية هي شروط انتخابات أعضاء مجلس الإدارة، باعتبارهم المسؤولين عن وضع سياسات الجمعية، ووضع اللوائح الداخلية لنظام عملها، وغيرها من المهام التي تتطلب كفاءات وخبرات خاصة بالأعضاء المرشحين! بينما كل ما اشترطه القانون هو ضرورة عدم صدور أحكام بعقوبة أو جناية مقيدة للحرية ضد أعضاء المجلس، وخلو سيرتهم من أية جنح مخلة بالشرف والأمانة! وهي معايير هامة بالتأكيد.. لكنها لا تضمن صلاحيتهم لإدارة جمعية أهلية تنموية، خاصة وأن مجالات عملهم غالبا ما تكون بعيدة كل البعد عن عمل الجمعيات! لم تضع اللائحة بنودا لمساعدة أعضاء الجمعية العمومية في اتخاذ قرارهم بالترشح لعضوية المجلس من عدمه! مثلما لم تضع بنودا تحدد عدد مرات الترشح للمجلس، لإتاحة الفرص لأعضاء جدد! وما هي الأساليب الفعالة لتقييم أداء أعضائه؟ إلخ!
المدير التنفيذي
بينما يُنسب نجاح الجمعية الحقيقي لمديرها التنفيذي! الذي يعلم أن إدارة الجمعية ليست كأي مكان آخر، فنجاحها يعتمد بشكل شخصي على إدراكه أنه لا يدير موظفين بل قادة تنمية! يتوقف نجاحهم في أداء رسالتهم على مدى تفهمه لقدراتهم وتوظيفها في المجال المناسب لصالح الجمعية وليس إرضاء لأهواء مجلس الإدارة. ورغم هذا، لم تتضمن اللائحة التنفيذية للقانون بنودا تلزم أعضاء مجالس الإدارة بمعايير تساعدهم على اختيار المدير الفعال، وتضمن سلامة أسلوب اختياره، وعدد مرات تجديد عقده، ومعايير تحديد راتبه، ومكافآته، وعقابه، وتقييمه، بل وتلزمه بتكوين فريق إداري بمعايير واضحة؛ للقضاء على ظاهرة تآكل الصف الثاني بالجمعيات الأهلية..
سياسة الأجور والقطاع الثالث
السيد الرئيس، منذ افتقد العمل الأهلي روح العاملين الأوائل الذي كانوا يتطوعون بالمال والجهد والوقت، للارتقاء بأوطانهم؛ تحول العمل بالجمعيات إلى وظائف تفتح شهية الباحثين عن التربح المادي! ومع ذلك، لم نجد في القانون ولائحته التنفيذية بندا يساهم في توجيه المتقدمين للعمل بوظائف الجمعيات، وكشف مدى صلاحيتهم للعمل بروح التطوع، والاستعداد للتعلم، وغيرها من الصفات التي اعتادت أن تميز العاملين بالقطاع الأهلي عن باقي القطاعات. ولا بند باللائحة التنفيذية -وليس بلائحة العمل بالجمعيات فقط- يشترط الآليات التلقائية لقياس أداء الموظفين. ولا معايير الثواب والعقاب. بل أين البنود التي تحث الجمعيات على حركات الترقي بالسلم الوظيفي؟ حيث الثقافة السائدة تفضل الاستعانة بموظفين من خارج الجمعية لتولي الوظائف الأعلى!
فرغم أن موظفي الجمعيات الأهلية (قادة التنمية) هم الأكثر تلامسا وإدراكا للواقع، والأكثر قدرة على اقتراح الحلول والعمل على تحقيقها؛ فهم أكثر المستبعدين من دائرة صنع أو اتخاذ القرار. ولا يضمن لهم القانون بلائحته التنفيذية شروطا تضمن استثمار خبراتهم في العمل لصالح الجمعية التي يعملون فيها! وليس من السهل دائما قبول انضمامهم كأعضاء في الجمعية العمومية، من قبل الإدارة التنفيذية أو مجلس الإدارة! وأين اللائحة التنفيذية من توحيد توجهات سياسة الأجور؟ ومسألة فصل الإداراة المالية عن التعامل مع الجهات الحكومة والتأمينات؟ وأين اللائحة من اشتراط التدريب المستمر للعاملين؟ وتناوب السلطة، وتشجيع الابتكار والإبداع والتعلم.. أين اللائحة من إلزام الجمعيات بتوثيق تاريخها وخبراتها؟ التي تشكل جزءا من تاريخ الخبرة الأهلية والإنسانية بمصر..
السيد الرئيس..
والغريب، أن الجمعيات الأهلية التي تعتبر الذراع اليمنى للدولة، لاتزال تتبع قوانين القطاع الخاص في الكثير من بنودها! دون ان يسهم قانون العمل الأهلي في معاملة ذلك القطاع بمثابة القطاع الثالث بالدولة! ومنحه الخصوصية التي تليق بحجم أنشطته، وعدد العاملين والمستفيدين من خدماته، الذي تجاوز بضعة ملايين، لتحقيق هدف التنمية المرجوة من خلال تحفيز مجهودات الجمعيات.. التي تعمل مبادرات الرئيس على تحريك أجنداتها لمواكبة التنمية المستدامة حولنا.
سيادة الرئيس الفاضل.. لا ينكر أحد قيمة وعظمة العمل الأهلي ببلدنا. خاصة وأن جميع المعيقات التي ذكرتُ بعضها.. قابلة للإصلاح. ولولا تأكدي من سعيكم لتنمية ذلك القطاع، لترددتُ في كتابة هذه السطور، التي جاءت تعبيرا عن آمال وطموحات بعض الزملاء في تحقيق أحلامنا نحو المجتمع المدني.. في ظل رعايتكم التي تصنع المستحيل وتحول آمالنا ومقترحاتنا في التغيير إلى حقيقة، مثلما رأينا في مشاريعكم التي حفظت مصر مما آل إليه حال البلاد المحيطة بنا. حفظكم الله سالما وحفظ الوطن آمنا..
----------------------------
كتبت: ابتسام كامل