25 - 04 - 2024

نهاية الرأسمالية والرعب الوشيك: لماذا هدد "بايدن" بأقوى جيش في التاريخ؟!

نهاية الرأسمالية والرعب الوشيك: لماذا هدد

الجدير بالاهتمام به كأولوية بين الأخطار الكثيرة المحيقة بالبشر هي تلك الأخطار التي يصدق عليها وصف الكوارث، أو التهديدات التي تتطلب أقصى الحذر بسبب قربها الوشيك. وهو الأمر الذي بات يصدق تقريبا على خطر يسميه الجميع خطر "الانهيار الرأسمالي العالمي"، وهو الأمر الذي لم يعد محض توقع بعد أن صار الناس من حول العالم يتحدثون عنه، "الجميع - كما صرح الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في الجلسة الختامية لمنتدى "فالداي" الدولي - يقولون إن النموذج الحالي للرأسمالية الذي هو اليوم أساس البنية الاجتماعية في الغالبية العظمى من البلدان قد استنفد نفسه". وربما يقول الجميع شيئا لكنه لا يخرج في حقيقته عن وهم شائع يدور على الألسنة، لكن تردد نفس القول على ألسنة زعماء دول كبرى تعمل كفاءة حواسهم السياسية دائما في اتجاه التقاط المخاطر والفرص الوشيكة، قد يعني أننا في مواجهة مقدمات محسوسة تدل على وقوع وشيك للخطر.

السؤال المنطقي هنا إن كان من الأفضل أن نتجاهل مقولة الرئيس الروسي، وننظر لها كما لو كانت مناورة أو مكايدة أو تكيتيكا سياسيا ما؟، لكن يبدو أن التجاهل لم يعد ممكنا، لا بحكم السياق الذي ألقيت فيه الكلمات، ولا بحكم ما لاقته من ردود فعل تكاد ترقى لدرجة الاستفزاز. فبعد أقل من يوم واحد من تصريح "بوتين" جاء الرد عليه بلسان الرئيس الأمريكي "جو بايدن" خلال لقاء نظمته شبكة "سي إن إن" وقال فيه: "الصين وروسيا وبقية العالم يعلمون أن لدينا أقوى جيش في تاريخ العالم"، وأضاف: "لا داعي للقلق بشأن ما إذا كانوا سيصبحون أكثر قوة"، وتابع: "لكن علينا أن نقلق بشأن ما إذا كانوا سينخرطون في أنشطة تضعهم في موقف قد يرتكبون فيه خطأ فادحا"!.

رد حاد وشبه تهديدي كهذا من رئيس أقوى دولة في العالم و"أقوى جيش في التاريخ"، يكاد يضعنا على حافة الحرب الباردة بالفعل، حتى لو أنكرها "بايدن" نفسه وفي نفس تصريحاته عندما قال: "لقد تحدثت وقضيت وقتا مع شي جين بينغ (رئيس الصين) أكثر من أي زعيم عالمي آخر، لهذا السبب تسمع من يقولون إن بايدن يريد شن حرب باردة جديدة مع الصين، لا أريد حربا باردة مع الصين. أريد أن تفهم الصين أننا لن نتراجع ولن نغير أيا من آرائنا"!. وكما يلاحظ فإن تعبيرا مثل "لن نتراجع" و"لن نغير أيا من آرائنا" يكاد يكون في حد ذاته إشارة واضحة لبدء الصراع، يقول البعض إنه سيكون صراع حرب باردة، ويظن آخرون أنه يمكن أن ينتقل بسرعة إلى حرب فعلية، والمتشائمون يحذرون تقليديا من حرب نووية تبيد الجميع!.

لكن التفكير في احتمالات المخاطر لابد أن يعيدنا للتأمل في السؤال الأصلي: هل دخلت الرأسمالية في طور الانهيار فعلا؟ وهل ما يشهده العالم اليوم من أحداث هي مؤشرات على نهاية الرأسمالية؟. لنجيب على ذلك علينا العودة إلى رؤية الرئيس الروسي في تحذيره من قرب تلك النهاية التي تشبه الكوارث الطبيعية بالنظر للنهايات المعروفة لكل الإمبراطوريات في التاريخ، ولا تخلو أيضا - طبقا لكلمات "بوتين" - من تلك الكوارث، فهو يقول أن "التغيرات المناخية باتت أمرا عاديا وشاهدنا الفيضانات والحرائق في مختلف أنحاء العالم"، ويؤكد أن النهاية الكارثية محتومة: "إن لم يكن من الممكن إيجاد دعم لتوازن جديد في العالم ولاحظ "الفائزون في أوليمبوس" أن الأرض تنزلق من تحت أقدامهم"!.

"الفائزون في الأوليمبوس" هم بالطبع منظومة الدول الرأسمالية التي خرجت منتصرة من الحرب الباردة في القرن العشرين مع الاتحاد السوفيتي السابق، وما يطالب به "بوتين" من توازن جديد يعني تغييرا في تراتبية و"حقوق" القوى المنتصرة والمهزومة والمستمرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي ولأكثر من ثلاثين عاما مضت. وأمريكا رأس الأولمب المنتصر صرح بالفعل قائد القيادة الشمالية في جيشها - الجنرال "جلين فانهيرك" - منذ أيام بأن روسيا تشكل التهديد العسكري الرئيس (المباشر) للولايات المتحدة، بينما اعتبر أن الصين تمثل "تهديدا وجوديا طويل الأمد" لأمريكا!. وهو ما يعني أننا لم نعد على أعتاب تلك الحرب الباردة المتوقعة ولكننا أصبحنا في بدايتها بالفعل!.

الدائرة التي تقوس الصراع العالمي الحاد الحالي أصبحت سافرة الابعاد بعد أن انتقل الصراع من دائرة غليان المنافسة الاقتصادية والعسكرية، ولكي يمكننا حساب خطورته ومداه وميادينه المتشابكة، علينا أن نلمس تحوله تدريجيا من منافسة سياسية واقتصادية إلى صدام حضاري وثقافي شامل، ولنقف على بعض العناوين المهمة في خطاب الرئيس الروسي "بوتين" التي تؤكد هذا التحول أو أخطرها:

"ما نراه حاليا في سوق الطاقة دليل آخر على فشل الرأسمالية"

"أرقام الوفيات بكورونا رهيبة وقابلة للمقارنة بل وتتجاوز الخسائر العسكرية للمشاركين الرئيسيين في الحرب العالمية الأولى"

"لا تكمن تناقضاتنا مع الغرب الحديث في المستوى الأيديولوجي أو الاقتصادي بل في المبادئ الأساسية لموقفنا من الحياة نفسها وبنيتها.. وفي كل عام يبتعدون أكثر فأكثر"

"أعتقد انها وحشية عندما يتم تعليم الأطفال في الغرب أن الصبي يمكن أن يصبح فتاة"

"النقاش حول حقوق الرجال والنساء في الغرب تحول إلى وهم مطلق"

"من النبل محاربة العنصرية لكن في الثقافة الجديدة (الغربية) تتحول المسألة إلى الاتجاه المعاكس"

أخيرا قال "بوتين": "بما أن العالم يمر الآن بانهيار بنيوي فإن أهمية المحافظة المعتدلة كأساس للمسار السياسي قد ازدادت عدة مرات"، والمحافظة على لسان "بوتين" قابلتها محافظة مضادة وصارمة على لسان "بايدن":"لن نتراجع..لن نغير أيا من آرائنا"!.
----------------------------
بقلم: عصام الزهيري

مقالات اخرى للكاتب

222 عاما على ثورة القاهرة الثانية: هل يكفي صدق الدافع الوطني لصنع ثورة؟





اعلان