23 - 04 - 2024

أكذوبة الثغرة وهزيمة أكتوبر و"إعلام أحمد سعيد" الوطني!

أكذوبة الثغرة وهزيمة أكتوبر و

في بداية حرب أكتوبر حاولت "جولدا مائير" رئيسة وزراء إسرائيل وقتها ومعها الإعلام والحكومة الإسرائيلية بأسرها، ممارسة التضليل على الإسرائيليين بخصوص مجريات الحرب. خرجت "مائير" على شاشة التلفزيون الإسرائيلي الرسمي وأدعت إن الحرب مجرد سلسلة من هجمات المدفعية والطيران المصري والسوري، لكنها لم تذكر شيئا عن عبور المصريين العظيم للقناة، ولا عن تدميرهم لتحصينات جيشها وتثبيت أقدامهم ومواقعهم على ضفتها الشرقية بكلمة!، قالت بدلا من ذلك إن "العدو تكبد خسائر كبيرة"، بينما كانت الحقيقة أن إسرائيل هي من تتكبد أفدح الخسائر!. ولأبعد من ذلك مارست "مائير" ووزير دفاعها "موشىيه ديان" كذبا مفضوحا عن طريق فيلم مصور من طائرة لرحلة تفقد قاما بها معا إلى سيناء، بثت في الفيلم مشاهد من الجو بدت فيها سيناء هادئة تماما!. 

لكن سرعان ما انهارت أركان كل هذا التضليل الإعلامي، فقد كانت النعوش الإسرائيلية القادمة من جبهة الحرب وحدها (جثث حوالي 1000 جندي إسرائيلي خلال 48 ساعة) كفيلة بتكذيب إعلام وحكومة إسرائيل. في يوم 8 أكتوبر كاد وزير الدفاع "ديان" ينهار على شاشة التلفزيون الإسرائيلي وهو يدلى بتصريحات صدمت الإسرائيليين وقال فيها: "إنها حرب صعبة للغاية، والمواجهات عنيفة ومريرة لقواتنا البحرية والبرية". لم يذكر "ديان" وقتها القوات الجوية (ذراع إسرائيل الطويلة) لأنها كانت تعطلت وأصابها الشلل التام بفعل الدفاعات الجوية المصرية، قال أيضا: "هذه الحرب ثقيلة بأيامها ودمائها". ثم لم تلبث رئيسة الوزراء "مائير"بعد أقل من يوم واحد أن أطلقت استغاثة مريرة وعواء جريحا في تصريحات موجهة للإسرائيليين وللأمريكيين: "أنقذوا إسرائيل، حاربنا الروس وليس العرب"!. وكانت تكذب كذبا مفضوحا فالأمريكان والعالم يعلمون أن الرئيس "السادات" قام بطرد العسكريين الروس من مصر قبل الحرب بأكثر من 15 شهرا!. 

فيما بعد كتبت "مائير" في مذكراتها عن حرب أكتوبر: "كنا نقاسي من انهيار نفسي سحيق"، واعترفت مبررة كذبها الذي مارسته في حديثها للرأي العام في إسرائيل: "ثار سؤال حارق: هل نبلغ الأمة عند هذا الحد بمدى السوء الذي بلغه الموقف؟!"، وقالت: "تحدثت إلى شعب ليس لديه أدنى فكرة عن الضريبة الرهيبة التي ندفعها على الجبهة أو عن الخطر الذي تواجهه إسرائيل"، وقالت: "إن كل تقرير كان يحمل في طياته الثمن الباهظ للمواجهة مع المصريين كان بمثابة سكين في قلبي". وفي أول أيام الحرب هرع رجال السفارة الإسرائيلية إلى الرئيس الأمريكي "نيكسون" ووزير خارجيته "كيسنجر" يصارحونه بخسائر "جيش الدفاع" المذهلة في أيام قلائل، من بينها خسارة 500 دبابة، منها 400 على الجبهة المصرية وحدها، ليصرخ الرئيس الأمريكي "نيكسون": "أرسلوا كل ما يمكن حمله إلى إسرائيل"!. 

لكن سرعان ما اتضح فشل ادعاء الإسرائيليين بأنهم حاربوا قوة عظمى هي الاتحاد السوفيتي لا جيشا مصر وسوريا، فلجأوا للكذبة التالية وكانت الحديث عن الثغرة العسكرية في الدفرسوار التي قدموها كما لو كانت اختراقا عسكريا مذهلا وعبورا إسرائيليا (!!) لا مصريا لقناة السويس، وكأن مصر هي التي حوطت القناة بدفاعات خط بارليف الرهيبة، وهي التي سقطت دفاعاتها المكلفة في ساعات قليلة بفعل ضربات العسكرية المصرية تحت أحذية المقاتلين!. 

كان المخطط العسكري المصري يتوقع بالفعل حدوث ثغرات عسكرية أثناء العمليات القتالية في ثلاث مواقع من بينها الدفرسوار، لذلك ووجهت القوة الإسرائيلية المقتحمة في الثغرة بمقاومة شرسة ومدمرة من كتائب المشاة المصريين التي تولت حصار الثغرة، ولم تكن خاضت حتى هذا الوقت - بخلاف القوة الإسرائيلية المنهكة - أي موقعة قتالية. بعد سنوات اعترف الجنرال "شارون" - وهو من قاد عملية الثغرة وقاد فيما بعد الدعاية الإعلامية المضللة بشأنها - بالوضع المأساوي الذي وجدت فيه قواته نفسها، وبما تملكه من اليأس والإحباط من تحقيق أي نصر أو تقدم، قال "شارون": "لقد فقدنا فرقتين، حوالي 300 جندي قتلوا، وأصيب أكثر من ألف جندي، وجميعنا من أصغر جندي إلى قائد الفرقة أمضينا ليلة من أسوأ الليالي في حياتنا"!.

تبقى بعد هذا حقيقتان جديرتان بالتأمل: الأولى حقيقة تنتج من المقارنة بين موقف الإعلام الإسرائيلي خلال الأيام الأولى من هزيمة جيش إسرائيل في حرب أكتوبر 1973، وهو ما يمكن مقارنته بموقف الإعلام المصري خلال الساعات الأولى من هزيمة يونيو 1967، رغم أن المقارنة مجحفة ولا تجوز لأن الجيش الإسرائيلي كان في حرب يونيو معتديا بينما كان الجيش المصري في حرب أكتوبر محررا، إلا أن ما يظهر من مقارنة كتلك هو أن موقف الإعلام المصري في 67 يمكن عدّه ممارسة إعلامية تقليدية في أزمنة الحروب، ممارسة تستهدف الحفاظ على الروح المعنوية خلال قتال. والدليل أننا لم نسمع بإسرائيلي واحد قام بلوم اعلام بلاده ولا حكومتها نفسها على ما مارسته خلال الأيام الأولى للحرب من تضليل. ورغم ذلك لم يشبع البعض منا - بعد 55 عاما على هزيمة يونيو - من السخرية القارسة من موقف الإعلام المصري ممثلا في شخص الإعلامي الكبير "أحمد سعيد" مذيع إذاعة "صوت العرب" آنذاك!، وهو موقف لا يثير الدهشة فقط بل إنه يستحق إثارة الريبة منه أيضا.

الحقيقة الثانية تلتصق بالإعلام المعادي التابع لجماعة الإخوان الذي يبث من تركيا عبر منصات الفضائيات ومواقع التواصل، وهو إعلام بلغت وقاحته ودعارته حد التجرؤ على ممارسة تضليل وبث أكاذيب عن حرب أكتوبر لا يجرؤ على مثلها إعلام إسرائيل التي هزمت في الحرب. وقد بلغت الخيانة بإعلام الجماعة الإرهابية المأجور درجة القول بأن مصر هُزمت في حرب أكتوبر!. وهو تزوير ساذج سمج لا يستحق غير الاستهزاء ولا تستحق ألسنة معدومي الشرف والوطنية والكرامة ممن أطلقوه غير بصقة احتقار على وجوههم، ولا يملك المرء إلا أن يقول لهؤلاء البؤساء: مرحى وألف مرحى بنصر أعاد لنا الأرض والشرف يا عديمي الانتماء والشرف، ولو كان إعلامكم النازي المأجور يسمّي نصر أكتوبر العظيم هزيمة فأنتم - شأن أعداء هذا البلد والحاقدين عليه - لن يلحقكم منه غير هزائم ستجعلكم للأبد عبرة لمن يعتبر.
-------------------------------
.بقلم: عصام الزهيري

مقالات اخرى للكاتب

222 عاما على ثورة القاهرة الثانية: هل يكفي صدق الدافع الوطني لصنع ثورة؟





اعلان