20 - 04 - 2024

ماذا تبقى من الدور العربى فى مواجهة إسرائيل؟

ماذا تبقى من الدور العربى فى مواجهة إسرائيل؟

نعيش هذه الأيام الذكرى ٤٨ لحرب أكتوبر المجيدة، تلك الحرب التى غيرت مجرى التاريخ واستعادت الكرامة المصرية والعربية وحطمت أسطورة جيش إسرائيل الذى لا يُقهر. 

ولا يخفى على أحد التضامن العربى مع مصر وسوريا وقت الحرب من العديد من الدول، سواء بالسلاح والعتاد والفرق العسكرية أو بقطع النفط عن إسرائيل والدول التى تدعمها أو غيرها من وسائل الدعم، فقد كانت الأمة العربية على قلب رجل واحد وتسعى وراء هدف واحد تمكنت مصر من تحقيقه بعزيمة رجالها الأبطال، وهو ما أشار إليه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى كتابه "خريف الغضب ": 

"كانت المعركة قد صنعت تحالفا هائلا يضم قوى كثيرة قادرة على تحقيق حل مشرف لأزمة الشرق الأوسط. كان العرب لأول مرة قد تحركوا معا على أكثر من جبهة بقواتهم المسلحة، وكان سلاح البترول مشهرا، وكانت الامكانيات العربية المالية والنفسية عند أقصى درجات قوتها." 

وسرعان ما أدركت إسرائيل أن هذا التضامن هو جزء أصيل من أسباب هزيمتها الساحقة،  لذلك سعت بكل قوتها إلى تفريق شمل العرب وبث الفرقة ونشر الخلافات، والتى بدأت فور تصديق مصر على اتفاقية السلام مع إسرائيل وتفكيك التحالف العربى ..

صحيح استطاعت مصر أن تسترد أراضيها كاملة عقب توقيع مبادرة كامب ديڤيد .. لكن كان الثمن غاليا على المستوى العربى، فقد أدت الاتفاقية إلى نشوء نوازع الزعامة الإقليمية والشخصية في العالم العربي لسد الفراغ الذي خلفته مصر،  وبدأ الخلاف والوهن يدب فى أوصال الأمة العربية. 

والآن.. بعد مرور ما يقرب من نصف قرن على حرب أكتوبر المجيدة ماذا تبقى من الدور العربى فى مواجهة إسرائيل؟!!! 

منذ تم طرح بنود ما يسمى ب "صفقة القرن" التى كان يتبناها الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، تسعى إسرائيل بكل قوتها لتوسيع الاتفاقيات الإبراهيمية التى تسعى من خلالها لتطبيع علاقاتها مع كل الدول العربية، وقد وُصفت هذه الاتفاقيات بأنها لحظة تاريخية" أو "اختراق تاريخي" ساهمت فى إعادة تشكيل بعض ملامح الشرق الأوسط والمنطقة العربية لتمنح إسرائيل وجودا طبيعيا فى العديد من الدول، وبالتأكيد كان للدول الست التى أبرمت اتفاقيات تطبيع حساباتها ودوافعها الخاصة سواء كانت هذه الدوافع استراتيجية أو أمنية أو اقتصادية.. لكن فى المقابل ظلت هناك العديد من الدول التى ترفض التطبيع رغم الجهود المضنية التى تبذلها إسرائيل فى هذا الصدد. 

(العراق يرفض التطبيع) 

أعلنت الحكومة العراقية أن طرح مفهوم التطبيع مرفوض دستوريا وقانونيا وسياسيا في الدولة العراقية، وعبرت بشكل واضح عن موقف العراق التاريخي الثابت والداعم للقضية الفلسطينية العادلة، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه بدولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف، ورفض كل أشكال الاستيطان والاعتداء والاحتلال التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وذلك فى بيان رسمى ردا على قيام بعض الشخصيات العشائرية المقيمة في أربيل بإقليم كردستان بعقد مؤتمر نهاية سبتمبر الماضى بعنوان: السلام والاسترداد تم خلاله رفع شعار "التطبيع مع إسرائيل".. 

ولا يخفى على أحد الدور الاسرائيلى المستميت الداعم لانفصال إقليم كردستان عن العراق فهذه استراتيجيتها الدائمة للسيطرة على المنطقة من خلال تقسيم وتفتيت الدول العربية، مستخدمة فى ذلك النزعات الطائفية والعشائرية وإثارة الفتن والحروب الأهلية لتسهيل مهمة إنهيارها من الداخل أولا لتبدو فريسة سهلة يسهل التهامها وهو نفس السيناريو الذى حدث فى سوريا، حيث دأبت إسرائيل على القيام بغارات على سوريا، استهدفت بعض المواقع الحكومية ومعسكرات حزب الله اللبنانية ومراكز عسكرية تابعة لإيران. 

والنتيجة.. أن الأراضى السورية أصبحت مستباحة للعدو الإسرائيلى وأصبحت مسرحا لحروب الوكالة دون شجب أو تنديد من أى جهة. 

- وفى المغرب العربى تقف الجزائر شامخة بموقفها المعهود من إسرائيل ودعمها الدائم للقضية الفلسطينية، فيؤكد رئيسها عبد العزيز تبون أن "الجزائر لن تعترف بدولة إسرائيل" وأن القضية الفلسطينية هى أم القضايا فى منطقة الشرق الأوسط. 

وفى الحقيقة فإن الجزائر تعد من الدول التى يتطابق موقفها من إسرائيل سرا وعلنا ولا يوجد تفاهمات بينهما من تحت الطاولة مثلما أكدت القناة الثانية العبرية فى تقرير فضحت فيه بعض الدول التي تتظاهر بعداوتها لتل أبيب لكنها تقيم معها جسور تواصل دبلوماسية ومصلحية في السر..

واليوم يتسلل العدو متخفيا فى صورة صديق وناصح  أمين وشريك اقتصادى وداعم سياسى ليخبرنا أن ما كان يدور فى الخفاء لم يعد هناك ما يمنعه.. 

لم يتبق من التضامن العربى سوى رفض الشعوب وحتى هذا الرفض أصبح على المحك بعد محاولاتاسرائيلية لتغييره وتطويعه فى صفها بقوتها الناعمة تارة والذكية تارة أخرى. 

وأخيرا لا يسعنى فى ذكرى حرب أكتوبر المعطرة بدماء الشهداء سوى أن أذكر المهللين للتطبيع ببيت الشعر الشهير للمتنبى: 

إذا رأيت نيوب الليث بارزة.. فلا تظنن بأن الليث يبتسم.
--------------------------
بقلم: سحر عبدالرحيم *

* مدير تحرير دورية آفاق عربية وإقليمية

مقالات اخرى للكاتب

الغزو الروسى لأوكرانيا وتداعياته على المنطقة العربية





اعلان