عندما تطالع الأعين خبرًا في الصحف والمواقع الإلكترونية تحت عنوان «ثامن حالة انتحار».. طالبٌ يُطلق النار على نفسه بسبب نتيجة الثانوية العامة.. يقشعر الجسد ويشرد الذهن، ويحار العقل، إذ كيف لوردة تموت قبل أن يفوح عطرها، ولزرع يُجتثُّ قبل أن يُرى ثماره، ولروح تُزهق وتُغتال أحلامها؟!
هؤلاء حلموا، وتخيّلوا مستقبلَهم، رسموه بأيديهم، ولمسوه بقلوبهم.. رأوه بعقولهم وسهرت عليه عيونهم وأبدانهم.. شاهدوا استنزاف جيوب آبائهم الذين تقاسموا معهم السهر والأرق بُغية بلوغ حلم أنجالهم. إلى أن جاء وقت الحصاد، فلم يجدوا ما بذروه.
تبخّر مجهودهم، واسودت الدنيا أمام أنظارهم، طبق الحزن قلوبهم وخيّم على بيوتهم.. والسبب، نظام تقييمي جديد غريب لطالما نادى ذوو خبرة بأنه من الأجدر والأفضل والأمثل اقتصار تطبيقه على نشء جديد في بداية مراحله التعليمية..
وبغض النظر عما يساق من تطمينات، والإيمان بالقدر خيره وشره، والتأكيد على أن نتيجة الثانوية العامة ليست نهاية المطاف، إذ إن هناك طلابا تخرجوا في هذه المرحلة غير محققين ما هدفوه، ورغم ذلك أضحوا لا أساتذة جامعيين وفقط، بل علماء وخبراء في مجالاتهم، إلا أن هذه المسطرة التي تم قياس المستويات عليها لا شك أثبتت إجحافها، وأن مخترعيها غير منصفين..
من يرى أن المسؤول مُفترى عليه، وأنه سخّر جهده وفكره لاجتثاث ما تربى هو نفسه عليه قبل غيره، وأن من يهاجمونه لا يريدون تقدما لهذا البلد، يكفيهم أن يدخلوا منزل طالب تحطّم حلمه وخاب أمله، لا بسبب تقصيره، أو إهماله في أداء ما عليه، وإنما جراء هذا "السيستم" الجديد الغريب.. عندها سيحسون، لا شك، ما حلّ بأهل هذا البيت.
كل ذلك، ربما لا يُعدُّ أكثر من فوهة غضب في وجه مسؤول يخرج على الناس، في وقت يبكي فيه الآلاف ويتجمهر المئات منادين بضرورة رحيله جزاء ما أحل بهم، يخرج بتصريح مفاده أن العام الدراسي المُقبل سيعود إلى ما كان قبل كورونا، وأن الحضور خلاله سيكون يوميًا، ظنا منه أو إيهاما بأنه لا يبالي بمنتقديه ونظامه، وأنه لا مُبال بمن أوذوا من تطويره- إن جاز إطلاق مصطلح تطوير عليه- ولكن أن يودي هذا التطوير بحياة طالب أو طالبة، فهذا يحتاج إلى وقفة وتأنٍ وإعادة نظر..
خبراء نفسيون يرون أن الطلبة الذين يقدمون على الانتحار بسبب نتائجهم في مرحلة الثانوية العامة يعانون في الأصل اضطرابات نفسية، وأنهم فكروا مئات المرات، لكنهم كانوا ينتظرون الظرف الضاغط حتي ينفذوا عملية الانتحار.. إذا كان ذلك صحيحا فهل من المبرر أو المنطقي أن يسمح مسؤول لنفسه بأن يكون سببا في تهيئة الأجواء لإيجاد هذا الظرف؟
عزيزي الخبير النفسي، عفوا، من يخلق هذا الظرف الضاغط أو يتسبب بإيجاده يكون قد ساعد وساهم وشارك في فعل، أقرب للاغتيال من الانتحار..
-----------------------------
بقلم: عزت سلامة العاصي