19 - 04 - 2024

ليسوا جميعا فارين من طالبان

ليسوا جميعا فارين من طالبان

من يتابع عمليات الإجلاء التي تتم في العاصمة كابول للرعايا الأجانب والأفغان، الذين عملوا مع أمريكا وغيرها من قوات التحالف، ربما يتوقع بشكل عام أن الأمر فوضوي لدرجة تجعل كل من يفلح في الوصول إلى المطار أو دخوله، يستطيع الصعود إلى الطائرات التي تكتظ بالركاب كما رأينا.. وحتى بين الأفغان أنفسهم من يظن ذلك، و بدأ الأمر يدخل مرحلة من الاحتيال عن طريق توزيع البعض لوثيقة مكتوبة باللغتين الأفغانية والإنجليزية، تقول أن حاملها ممن عملوا مع القوات الأجنبية وحياته مهددة، و يتوقع من يحصل على هذه الورقة أنها بمثابة تأشيرة خروج من البلاد.

ولكن لو نظرنا بدقة في الأمر وشاهدنا الفارق بين من نراهم ينزلون من الطائرات بعد رحلة الخروج من كابول، و معهم حقائب السفر الخاصة بهم ويرتدون ملابس نظيفة وفي كامل اناقتهم وبصحبتهم الأطفال وكبار السن وبعضهم على الكراسي المتحركة.. مقارنة بالأعداد الغفيرة التي تظهرها كاميرات التلفزة والذين لا يحملون أمتعة ويبدو أكثرهم في حال بائس و ملابس متواضعة جدا، بالإضافة إلى سذاجتهم الزائدة عن الحد والتي تظهر محدودية فكرهم وثقافتهم.. هنا يمكن أن نكتشف بسهولة أن هؤلاء ليسوا من تعنيهم عمليات الإجلاء من الأساس، وما هم إلا مجموعات ممن ظنوا أن العبور إلى أمريكا سهل بحجة الفرار من طالبان، و هم آخر من يمكن أن تفكر فيهم الحركة من الأساس، حتى لو لم تعلن المصالحة و العفو، لأنهم ببساطة لا يختلفون عن المساكين الذين يلقون بأنفسهم في مراكب الصيد التي تجعلهم طعاما للأسماك أحيانا، فرارا من الفقر والجوع و المرض بمواطنهم الأصلية، وهذا مثلث أشد خطرا من أي طالبان.

إنهم مواطنون ضاق بهم الحال و يعلمون أن أحوالهم لن تتغير مهما حدث، لأنهم من الضعفاء الذين لا مكان لهم على أية مائدة، غير أنهم يتم المتاجرة بهم و بآمالهم عند الحاجة فقط.. هم مساكين يحلمون بالعبور إلى جنة أمريكا والغرب الموعودة التي يسمعون عنها، و تخيلوا أن الأمر فوضى و الكل يحشر في الطائرات الأمريكية على حد سواء، حتى وصل الجنون إلى التعلق بها كأنها أتوبيس رحلات و جميعنا شاهدنا هذه المآسي. 

لكن الحقيقة و ما أراه يدل على أن أميركا و قوات التحالف تعلم تماما أسماء من عليها إجلاؤهم، و الأمر يتم بشكل منظم بعيدا عن هذه الحالة الهمجية التي تحدث خارج أسوار المطار، ولكن صعوبة الأمر فقط تكمن في الأعداد الكبيرة والرغبة في سرعة إنهائه. 

ذلك يؤكد أن التنسيق بين القوات الأمريكية و طالبان ليس مجرد أمر فرضته الضرورة على مضض، ولكنه يبدو نوعا من التعاون المشترك الحقيقي، و الذي لا يحدث إلا بين حلفاء، وليس أعداء إلى يوم  أمس.. أمر غاية في الغرابة شأنه شأن المشهد كله منذ بدايته من حوالي أسبوع، عندما استيقظ العالم صباحا ليجد  مسلحي حركة طالبان داخل قصر الحكم بالعاصمة الأفغانية كابول، وبلا أدنى مقاومة أو مشاكل، وهذا يجعلني لا أستبعد سماح طالبان لبعض من القوات الأمريكية البقاء في أفغانسان حتى بعد الموعد المحدد للإنسحاب، حتى يستتب لها الأمر أمنيا بشكل كامل خاصة مع تهديدات تنظيم داعش المحتملة، و بعض ممن يحاولون إظهار أن هناك نوعا من المعارضة المسلحة في انتظار طالبان، من ناحية نائب الرئيس السابق أشرف غني ووزير دفاعه و أيضا جبهة أحمد مسعود، و إن كان أمرهم سهلا و ما هم إلا طامعون في دور ما بالمرحلة المقبلة تمنحه طالبان لهم.. قد يتعجب من يقرأ ما أقوله في احتمالية تطور الأمر إلى شراكة و تعاون بين واشنطن وطالبان، و أقول لا عجب.. إنها السياسة التي لا تعرف ثوابت والتغيير الدائم هو الشيئ الوحيد الثابت فيها،  خاصة في عالمنا اليوم، و الذي لا يعرف إلا لغة المصلحة و القوة فقط، و هو أصم أمام أي كلمات أخرى.
-------------------------
بقلم: السعيد حمدي

مقالات اخرى للكاتب

المصريون نسخة أصلية





اعلان