18 - 05 - 2025

نعمات أحمد فؤاد والتجاهل المتعمَّد

نعمات أحمد فؤاد والتجاهل المتعمَّد

استمتعت كثيراً بمشاهدة حلقة قديمة من برنامج "شاهد على العصر" على شاشة "ماسبيرو زمان"  

كان حواراً رائعاً غاية في السمو والرقي بين عمر بطّيشة وضيفته الراحلة الكبيرة الدكتورة نعمات أحمد فؤاد التي تحدّثت عن شهادتها على العصر.

نعمات أحمد فؤاد تُعدّ بحقّ قامة وطنية وقيمة فكرية كبيرة وقد تركت إرثاً معرفياً كبيراً ومشروعاً فكرياً رصيناً ورغم الأهمية والمكانة  الكبيرة التي احتلتّها الدكتورة نعمات في التاريخ المصري المعاصر أو في الحركة النسوية المصرية والعربية على السواء إلا عانت كثيراً من التجاهل والتعتيم بصورة متعمّدة في حياتها وبعد مماتها لأكثر من سبب

نعمات أحمد فؤاد كانت عصامية مستقلّة لم تنتمِ يوماً إلى حزب أو جماعة أو "شلّة" تنويرية أو منظّمة نسوية - من تلك الشِلل والمنظّمات "إيّاها" -  وانطلقت دوماً في كتاباتها من منطلقات وطنية راعت الثوابت الدينية والأخلاقية والحضارية

لم تكن نعمات أحمد فؤاد من "التنويريات" إياهنّ من الفاشلات في حياتهنّ الشخصية من  ذوات الأجندات "التنويرية" إيّاها وإنما كانت معجونة بالتربة الوطنيّة الحضاريّة المصرية فلم تثرثر في كتاباتها عن مواجهة "السلطة الذكورية" وضرورة التصدي للثقافة الذكورية في المجتمع إلى آخر تلك الثرثرة الغثّة التي لا تقدّم شيئاً ذا قيمة سوى الصخب والشغب وإسقاط الإحباطات الشخصية والتجارب المؤلمة الخاصّة ذات الصدمات المريرة وتعميمها على الواقع والمجال العامّ

كتبت نعمات أحمد فؤاد فصلاً بالغ الأهمية في كتاب "التكوين..حياة المُفكّرين" تحدّثت فيه بلهجة تفيض بالعرفان والامتنان عن والدها ودوره الكبير في حياتها وعن أستاذ اللغة العربية الذي درّسها وعن أحمد حسن الزيّات وعن عبّاس العقّاد وعن أحمد لطفي السيّد ...كلّهم من الرجال.

ومن جهة أخرى... عانت الدكتورة نعمات من التجاهل لأنها لم تنتمِ يوماً إلى تنظيم أو جماعة من تلك الجماعات التي تعيش خارج العصر فلم تكن تحمل لقب "أخت" فلم تكن يوماً من ضمن "الأخوات" إيّاهنّ  من ذوات النقاب  التابعات للجماعات والتنظيمات "إيّاها" التي تقبع في عصر دولة الخلافة الإمبراطورية التي سقطت منذ نحو قرن من الزمان

كتبت نعمات أحمد فؤاد "من عبقرية الإسلام" وكتبت عن مواجهة موجات التغريب كما كتبت أيضاً عن شخصية مصر وعن عظمة الحضارة المصريّة وتفرّدها كما كتبت عن عصر أمّ كلثوم.

كان مشهداً طريفاً في الحلقة تحدّثت فيه الدكتورة نعمات عن ظهور كريمات لتفتيح لون البشرة واعتبرت أن  هذا من مظاهر التغريب مؤكّدة أن اللون الأسمر جزء من حضارتنا وثقافتنا لأنه السُمرة هي سمرة ماء النيل

بكلّ أسف لا يعرف كثيرون شيئاً عن نعمات أحمد فؤاد لأنها لم تحظَ  بالاهتمام الإعلامي الذي يليق بها وبسيرتها وبتراثها الفكري الكبير  شأنها في هذا شأن شخصيات نسائية أخرى مثل زهيرة عابدين وابنتها منى أبو الفضل أو عائشة عبد الرحمن وغيرهنّ من اللواتي يعانين تعتيماً وتجاهلاً  وتسقيطاً أظنّه متعمّداً في مقابل تسليط الأضواء وتلميع شخصيات نسائية أخرى مثّلت نماذج مشوّهة شائهة وكانت مثالاً للفشل الذريع من اللواتي حصدن إحباطات وصدمات و"عُقد" كبيرة في حياتهنّ الشخصية قمن بتعميمها وجرى تلميعنّ دون أي مبرّر منطقي سوى  تبنيهنّ ل"أجندات" معيّنة.

رحم الله نعمات أحمد فؤاد رحمة واسعة

شكراً "ماسبيرو زمان"
-----------------------
بقلم: أحمد طه

مقالات اخرى للكاتب

نعمات أحمد فؤاد والتجاهل المتعمَّد