01 - 11 - 2024

القاهرة كابل.. طريق يحيي أمل الإخوان

القاهرة كابل.. طريق يحيي أمل الإخوان

عشرون عاما من دخول قوات الولايات المتحدة أفغانستان لإسقاط "طالبان" وملاحقة قادة تنظيم القاعدة الذي تحتضنه الحركة الحاكمة؛ ثم ها هي طالبان تعود وتتسلم السيطرة والسلطة، وتنشئ إمارتها الإسلامية الثانية بعدم ممانعة أمريكية؛ طبقا للاتفاق الموقع بينهما على أرض الدوحة في فبراير 2020.

أول ما يلفت النظر في هذا الحدث الجلل؛ وليس أخره بالطبع؛ إطلاق قادة الحركة على نظامهم "إمارة" وليس "دولة" أفغانستان، وما يتضمنه ذلك من اعتبارها جزء من دولة خلافة أكبر، خلافة تضم إمارات العالم الإسلامي، حيث لا وجود ولا اعتراف بالدولة القومية، فالعقيدة هي الوطن والإسلام هو الانتماء؛ طبقا لأدبيات الإخوان ومن تفرع عنهم من تنظيمات؛ خرجت من عباءة الجماعة الأم.

ثاني ما يلفت النظر توقيت الحدث؛ والذي يأتي في ظل واقع متحرك ومضطرب بالمنطقة، فلقد سقطت الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، والتي بثت من الرعب ما يكفي لمواجهة كل من يدعو للعودة بالزمن أربعة عشر قرنا للوراء، ويستحضر واقعا جاء الإسلام ليحسن منه ويعالج بعض مظاهره اللا آدمية، ويتخلص منها شيئا فشيئا حتى القضاء عليها، فلقد أعادوا الرق وأقاموا أسواق النخاسة، واستباحوا أسر النساء وسبيهم، وحطموا تراثا إنسانيا حافظ عليه المسلمون الأوائل؛ الأقرب للرسالة والقائمون على الدفاع عنها ونشرها.

وليس حال ما يسمى بالإسلام السياسي بأفضل من ذلك، فهو يمر بمأزق وجودي لم يعرفه منذ خمسينيات القرن الماضي، فلقد لفظت الشعوب حكم جماعة الإخوان التي استغلت الثورات العربية لتقفز على السلطة، كونها أكثر الفصائل تنظيما وقوة على الأرض، ثم واقع تخلي الدول الراعية تباعا لتصبح بلا مأوى.

فتأتي حركة طالبان التي سبقت "داعش" في تحطيم "تماثيل بوذا" وفرض اطلاق لحى الرجال والنقاب على النساء ومنعهن من التعليم والعمل، لتحكم من جديد أفغانستان، الدولة الأكثر ارتباطا بنشاط وتمدد الإخوان منذ ما عرف بـ"الصحوة" بسبعينيات القرن الماضي، واعتبروها مجالا خصبا لتدريب الأعضاء على القتال تحت أعين العالم وترحيبه! فلقد تولى التنظيم الحشد ودعم الجهاد ماليا وبشريا على أرضها بعد الاجتياج السوفيتي عام 1979.

تعود طالبان لتؤسس إمارة إسلامية شرط بقائها الوحيد؛ عدم إيواء أي تنظيم يشكل خطرا أو تهديدا على أمريكا والغرب لا أكثر، إمارة تملك شرعية واقتصاد وميزانية وتعاملات بنكية وتحويلات يمكن من خلالها التغطية على تمويل الجماعة ومن والاها، كما تسيطر على أرض وجبال قد تتحول لميدان تمرين لمن يؤمن بفكر الإخوان وحربهم المفتوحة والمعلنة ضد مصر منذ أسقاط حكمهم.

ليس هذا فقط ما جعل مواقع التواصل وإعلام التظيمات الإسلاموية على اختلاف مشاربها يفيض ترحيبا وابنتاهاجا، ترحيب يقول إن كل من ينتمي لهذا التيار يعتبر وصول أي من فصائله للحكم انتصارا لهم وللفكرة، ويظهر حقيقة قد تخفى على كثيرين؛ هي أن الفارق بين هذه التنظيمات؛ سواء السياسية والجهادية؛ يكاد يقتصر على وسيلة تحقيق الهدف وتوقيته الزمني.

فالأولى تركن للعمل السياسي والتغلغل في المجتمع، دون استبعاد المواجهة، وصولا لنصر يتحقق على المدى البعيد، والثانية تؤمن بالمواجهة واستنزاف الأنظمة والدول بالسلاح؛ طالما تمكنت من ذلك استعجالا لهذا النصر، لذا لم يكن غريبا ترحيب ومباركة جماعة الإخوان بانتصار الثورة الإيرانية وإعلان الخميني للدولة الإسلامية الشيعية، رغم الاختلاف الطائفي والعقدي، بل واعتبارها قوة دفع في اتجاه تحقيق حلم التمكين وحكم الإسلام.

الحال نفسه والمباركة تكررت لاحقا من القاعدة وأخواتها عندما وصل الإخوان للحكم، كذلك كانت الصدمة والعداء من كل الإسلامويين لمصر وشعبها، وتونس ورئيسها بعدما وقفوا ضد طموحات الجماعة في السيطرة واحتكار السلطة؛ إلى جانب احتكارهم الحقيقة.

الأخطر من هذا وذاك، وما يجب الانتباه له؛ أن الحدث جاء يبث الروح في أمل الجماعة بالعودة بعد أن انقطعت في طريقه السبل، فعودة طالبان؛ والتي اعتبرها الإسلامويون نصرا مؤزرا وفتحا مبينا، تمثل الآن "نموذجا" ودفعة قوية في حلم الإخوان وأخوتها للرجوع للحكم وامتلاك ادوات التمكين.

فلقد عادت الحركة لرأس السلطة بأفغانستان بعد عقدين من سقوطها، عقدان تحسن خلالهما وضع البلد على مستوى البنية التحيتة والتسليح! وليس الفارق بين القاهرة وكابل في مخيلة الجماعة إلا وثبة للأمام.
----------------------
بقلم: سوزان حرفي


مقالات اخرى للكاتب

حلمي الجزار وهيئة منير وصراع الإخوان.. الشرعية لمن!