29 - 03 - 2024

طالبان في كابول من جديد

طالبان في كابول من جديد

عشرون عاما من الحرب في أفغانستان قادتها أمريكا بمشاركة حلفائها.. ذهبوا هناك عاقدين العزم على استئصال شأفة الإرهاب كما قالوا، في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، و تم قتل و تشريد الآلاف، و إهدار مئات المليارات، وكانت النتيجة بعد كل ذلك ليس صفرا فقط، بل بعدما كانت هناك طالبان و القاعدة.. زاد عليهم تنظيم الدولة الذي هو أكثر شراسة، و تمدد في معظم العالم و المنطقة العربية بشكل خاص، و الآن وبعد هذا كله تقرر أمريكا الفرار هي وحلفائها من أفغانستان، متعللة بأن مهمتها انتهت هناك و أنها قامت ببناء جيش مدرب، و مسلح على أعلى مستوى، بالإضافة إلى بناء نظام سياسي جديد، مكون من رئيس للجمهورية وحكومة وبرلمان.. إلا أن الجميع فوجئ بأن كل ذلك كان سرابا تهاوى خلال أيام، دون أدنى مقاومة أمام مقاتلي حركة طالبان بتسليحهم المتواضع. 

أمر محير يثير الشكوك، و لكن من كان يتابع الأوضاع هناك طيلة السنوات الماضية يعلم أن طالبان ستعود بمجرد خروج أمريكا، و لكن ليس بهذه السهولة.. هناك تخوفات من أن تعود افغانستان بؤرة لتفريخ الجماعات المسلحة مرة أخرى، وبشكل أكبر و أقوى، وربما هناك وجهة نظر في هذا الأمر، بسبب السوابق التاريخية و قد يكون مجلس إدارة العالم بالفعل غير طريقة تعامله مع تلك الحركات، و قرر استخدامها بعدما استطاع تحويل مدافعها وقناعاتها بأن مشكلتها الأولى عند بلاد الإسلام الذين لا يطبقونه، و تلك تكون مصيبة لأن المنطقة العربية حين ذاك سوف تكون هي الهدف الأول والرئيسي، و ليس مكانا آخر. 

الأحداث تشير إلى ذلك، خاصة أن شرط اتفاق الإنسحاب الأمريكي نص على ضمان طالبان بعدم خروج تهديدات لها من أفغانستان و تحديدا لها فقط، و بالطبع جيران كابول لن يسمحوا بتهديدهم مثل الصين و روسيا و الهند و إيران وباكستان، و لذلك أعتقد أن العرب عليهم بالمبادرة لفتح أبواب حوار مع الحركة من الآن ليكونوا جزءا من الفعل و ليس ردا للفعل كعادتهم.

الشيء المطمئن هو أن طالبان تتصرف بحنكة سياسية عالية و تصريحات مسئولة توحي بأنها تريد بناء دولة حقيقية، تنفتح من خلالها على العالم لتستفيد من ثرواتها الكبيرة جدا، والتي تقدر بمئات المليارات من المعادن المختلفة، و أيضا معلوم أن الصين تريد إعادة طريق الحرير الذي تعد أفغانستان جزءا منه، وذلك سوف يدر عليها دخلا كبيرا.. وأيضا تحتاج كابول إلى منفذ بحري حيث أنها دولة حبيسة و لن يكون هذا إلا بعلاقات جيدة مع إيران و باكستان. 

مؤكد طالبان تعي كل ذلك الآن ولن تغامر به بتصرفات حمقاء أدركوا تماما أنه لا طائل منها و أن بناء دولة حديثة قوية أولى و أهم.. ذلك مالم يكن هناك مالا نعلمه كما ذكرت آنفا لأن هذا العالم يدار بعقول شريرة لا تسعى إلا لمصالحها فقط، و يستخدمون في سبيل ذلك الكثير من الدول، وللأسف منطقتنا العربية هي المحطة الأساسية دائما و ألحقيقة أنها مستعدة تماما للقيام بهذا الدور. 

أتمنى أن نجد تحركا عربيا تجاه طالبان لعرض المساعدة و الشراكة من باب إبداء حسن النية بدلا من حالة التربص و التنظير تلك التي لا تفيد أبدا، وفي نهاية الأمر نستطيع القول أن أمريكا رغم كل قوتها إلا أنها منيت بهزيمة ساحقة في أفغانستان، كتلك التي نالتها من قبل في فيتنام، و ظهرت كدولة يمكنها صناعة الحرب لكن لا تستطيع حسمها أو الخروج منها بنتيجة مشرفة، غير أنها تتسبب في قتل وتشريد أبرياء و فقط كما حدث في العراق أيضا. 

مؤكد مازالت الأيام حبلى بالأحداث و مازال الوقت مبكرا للتنبؤ بما سوف يحدث تحديدا، و لكنها قراءة للمشهد بحسب المعلومات و المعطيات المتاحة و في نهاية الأمر نتمنى الخير للشعب الأفغاني و أن تكون بالفعل هناك بداية جديدة له أكثر راحة و رخاء.
---------------------------
بقلم: السعيد حمدي

مقالات اخرى للكاتب

المصريون نسخة أصلية





اعلان