29 - 03 - 2024

الإخوان.. ماذا بعد موقعة تونس

الإخوان.. ماذا بعد موقعة تونس

تونس؛ السودان، مصر ثلاث تجارب يجمع بينها أن الإخوان تصدروا مشهد السلطة وجلسوا في مواقع الحكم بأشكال مختلفة، في مصر حكموا لمدة عام؛ سيطروا فيه على الرئاسة والتشريع، خرج الشارع على إثره صارخا بفشلهم واستبدادهم، مطالبا برحيلهم وإبعادهم؛ مناديا بجيشه ومستحضرا إياه للدفاع عن خياره.

في السودان سقطوا عقب ثورة شعب طال صبره وفاض كيله؛ فقرا وفسادا وتشرذما وحروبا، بعد حكم امتد لثلاثين عاما، وصلوا إليه بانقلاب، وها هي تونس تلحق بالركب عبر رئيس يحتمي بدستور شارك في صياغته واقراره إخوان تونس (حزب النهضة، الشريك الأساسي في الحكم منذ عشر سنوات).

ما يحدث بتونس ثورة في هيئة حكم قاضي استجاب لنداءات الشعب الذي ثار وخرج على الإخوان وعلى نهجهم، رئيس يحاول إنقاذ بلده من مفاسد ووصاية وتجويع وفشل يدفع ثمنه عموم التوانسة، لكنه عند الإخوان يحمل صفة "انقلاب" وما للكلمة من وقع على الغرب للاستقواء به واستحضاره، تبعه تهديد للرئيس ذاته إما الحوار والعودة لما قبل 25 يوليو أو النزول للشارع دفاعا عن الديمقراطية بالقوة.

سلوك لا يتغير للإخوان مع تغير الفعل، فردهم في تونس هو ذاته بمصر في 30 يونيه، رفضوا الاعتراف بالثورة وتداعوا بالخروج للدفاع عن الشرعية ومواجهة الانقلاب بكل عنف، واستعداء العالم ضد الدولة و"الانقلاب"؛ وهو ما لجأ الغنوشي للتهديد به بإشارته المبطنة للفوضى وسيل المهاجرين غير الشرعيين باتجاه أوروبا.

مسلك ليس حديث عهد، ولا يرتبط بظروف أنية، بل هو تكرار لمسلسل لا تفتأ الجماعة تعيد حلقاته بنفس نصها؛ وإن اختلف المؤدون، فمنذ نشأتها ودخولها معترك السياسة من باب الدين وهي تقف في ذات المربع؛ برجماتية تبدأ بغزل السلطة القائمة للحصول على مكاسب تساعدها لامتلاك أدوات القوة؛ ويصاحبه انتشار بالشارع وكسب أعضاء، ثم استخدام الوسائل السياسية لتحصل على ما تريد من مقاعد الحكم، يلازمه سير حثيث لاختراق المؤسسات وإزاحة المنافس، فإن رد بالمثل تعتبر نفسها مستهدفة.

ومع دخول طور الصدام؛ فإن سيناريو الفوضى والعنف؛ الكاشف لوجه ومعتقد الجماعة؛ هو الأكثر إلحاحا والسلاح الذهبي؛ فلا تتورع عن مهاجمة أقسام الشرطة والمؤسسات ووسائل المواصلات، لا لشيء إلا لإسقاط حكومة تمنع وجود مليشيا مسلحة لجماعة تقول إنها دعوية وسياسية.

يُحاكم المعتدون؛ فيرد الإخوان بقتل رأس القضاء، أكان الخازندار أم النائب العام "هشام بركات"، تنكشف مخازن أسلحة وتظهر خطط تستهدف سياسبين ومسئولين؛ فلا تجد الدولة أمامها إلا حل الجماعة، فيأتي الرد قرارا باغتيال رأس الدولة، سيان محمود النقراشي أو جمال عبد الناصر.

لا شيء يتغير؛ فسقوط الإخوان يصير انقلابا في مصر كما في تونس، ونصبح نحن مجتمعا فاسدا يحارب شرع الله الذي لم يكن له أثر في حكم جاء صورة أسوأ مما ثار الشعب عليه قبلهم.

لم يحقق الإخوان أيا من مطالب الثورة، لم يأتوا بعدل ولا حرية ولا عيش؛ فشلوا فشلا مروعا يبررونه لأنفسهم وللأخرين أنهم لم يمكنوا! وهو ما يتكرر في تجارب حكمهم على اختلافها، إنها المؤامرة عليهم وعلى الربيع العربي، الذي استغلوه ولم يكونوا مطلقيه أو المنادين به.

لم يستفد إخوان تونس من الدرس المصري إلا مزيدا من إعمال البرجماتية السياسية؛ والتي قد تعيدهم أو تبقيهم في مساحة الحكم بعد انقضاء تجميد البرلمان، نعم ستبقى حركة النهضة شريكا في معادلة الحكم التونسية، وإن تغيرت بعض الوجوه، لكن على مستوى الهياكل ستسعى بشكل أوسع للتغلل والسيطرة على مفاصل الدولة، وكسب مؤيدين جدد بدافع المظلومية والاستهداف.

أما على مستوى التنظيم الدولي وقواعد الإخوان في الأقطار العربية؛ لن يزيدهم ما حدث في تونس إلا عزلة شعورية عن المجتمع؛ وتشبثا بما يعتقدونه من صلاح أفكار الجماعة وعداء المجتمع الفاسد المحارب لهم؛ وقد تحدث تفجيرات بعدة دول انتقاما من شعوب أدركت ما لم يدركه أعضاء الجماعة المغيبين: "أنهم لا يملكون شيئا ليقدموه، وأنهم يقولون ما لا يفعلون".
--------------------
بقلم: سوزان حرفي

مقالات اخرى للكاتب

حلمي الجزار وهيئة منير وصراع الإخوان.. الشرعية لمن!





اعلان