25 - 04 - 2024

مسئولية القانون والمجتمع عن قتل أم لزوجها وبناتها الثلاث

مسئولية القانون والمجتمع عن قتل أم لزوجها وبناتها الثلاث

حدثتني شقيقتي وهي مصدومة عن الحادث الذي تتداوله المواقع الإخبارية والتواصل الاجتماعي هذه الأيام. ورغم أني قدرت دوافع الصدمة لدى شقيقتي لكني لم أجد في الحادث على وحشيته ما يدهش، بل ورأيت فيه على بشاعته ناتجا طبيعيا من نواتج العلاقة القانونية الجائرة (!!) التي تربط بين الأزواج في مجتمعنا. 

الخبر هو أن أما في مدينة إقليمية سقت زوجها وبناتها الثلاث سما في عصير، وادعت أن العصير كان مسموما، لكن التحقيقات والتحريات كشفت أن الأم هي من ارتكب الجريمة بدافع الرغبة في الزواج من آخر أحبته..!!.

والسؤال الذي قد يبدد أثر الصدمة المقترن بالحادث المهول - وقد فعل ذلك مع شقيقتي - يجب أن يدور حول الأسباب التي تدفع امرأة في مجتمعنا لارتكاب جريمة بمثل هذه البشاعة والبربرية. رغم أن إجابة العقل المصدوم تلقائيا سوف تقول أنه لا شيء في العالم يجب أن يدفع أحدا لارتكاب هذا الفعل الوحشي. لكن الرد هو أن هناك في العالم بالفعل أشياء تدفع البعض منا - مهما كانت قلتهم - إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم البربرية، ولابد أن نفس الأشياء قد تضطر غيرهم إلى ارتكاب جرائم أخرى أو القيام بسلوكيات تتراوح في درجة تجريمها من عدمه طبقا لقانون الفعل ورد الفعل. 

هذه الأشياء التي تعد في نظر البعض أسبابا أو مبررات لارتكاب جرائم وحشية أحيانا ليست هي "الغريزة" حسب نوع معين من التفكير، والمقصود هنا بالغريزة تعلق الأم القاتلة بشخص آخر غير زوجها، فالواضح أن هذا التعلق ليس مبررا للجريمة، لأنه كان بوسع المرأة لو كان التعلق بشخص آخر هو دافعها الوحيد ان تحصل على الطلاق وتتزوجه، ولما كانت تختار في هذه الحالة - شأن كل شخص طبيعي - أن تسلك هذا المسلك البربري المتوحش.

لذلك فالسؤال يجب أن يكون كالتالي: لماذا لم تحصل تلك المرأة على الطلاق وتتزوج بمن تحب أو لا تتزوج بدون إيذاء زوجها وبناتها الثلاث الصغيرات البريئات؟!.

من الواضح أنه كان في وسع المرأة أن تحصل على الطلاق بسهولة لو أرادت ذلك، ولا يخفى على أحد أن أحد أوجه المعاناة التي يرصدها الباحثون في المجتمع المصري اليوم هو ارتفاع نسب الطلاق بدرجة تضعها على قوائم المشكلات الاجتماعية، فلم يعد حصول المرأة على الطلاق في مصر أمرا صعبا أو مستحيلا مثلما كان في وقت ما، بل إنه غدا من السهولة بحيث تسبب المعاناة في حالات كثيرة سهولته، وهو ما يجعل هناك حاجة ملحة إلى تشديد القيود عليه، الأمر الذي يمكن تلمسه في طلب الرئيس المصري من الأزهر إصدار فتوى بعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي واشتراط توثيقه كتوثيق الزواج، ولكن.. لنعد للموضوع بسرعة ونسأل: لماذا لم تحصل المرأة في الحادث على الطلاق لتتزوج كما رغبت وبدون الاقدام على ارتكاب جريمتها البشعة؟!

الإجابة التي نعرفها جميعا أن حصول امرأة لها ثلاث بنات على الطلاق قد لا يؤدي إلى زواجها من شخص آخر بسهولة، بل إن وجود البنات الثلاث "في رقبتها" سيجعل من زواج آخر منها أمرا صعبا للغاية إلا في الأحوال النادرة. لكن ما الذي يلزم الأم - منفردة دون الأب - بالمسئولية الكاملة عن تربية وحضانة أطفالها في حالة الطلاق؟!. ما الذي يقيد المرأة بهذا العبء منفردة في حين يمنح للرجل حريته التامة في الزواج من جديد والإنجاب من جديد متحررا من كل التزام يخص علاقته الزوجية السابقة بما في ذلك التزامه بتربية وحضانة أطفاله؟!. نعرف جميعا أيضا أن هذا الإلتزام الكامل من جانب المرأة برعاية الأسرة في حالة الطلاق، وهذه الحرية التامة للرجل من كل التزام في نفس الحالة، باستثناء قروش يلقيها لأطفاله حسب مقدرته، هو أحد النتائج المأساوية لقانون الأحوال الشخصية الحالي في مصر، والمتقادم منذ أزمنة مختلفة ومجتمعات مختلفة وعلاقات مختلفة، هذا القانون الذي أكل عليه الدهر وشرب لم يعد يناسب بأي حال الوضع النفسي والاجتماعي لمواطن يعيش أوضاع ومعارف القرن الواحد والعشرين، وهو قانون يلزم الزوجة بما يسميه (الحضانة) وهو يعني كل ما يتصل بتربية الأطفال ورعايتهم والقيام بشئونهم من كل الأوجه والنواحي، ولا يلزم الزوج بغير ما يسميه (النفقة) وهي تعني قروشا يلقيها لأولاده في مطلع أو ختام كل شهر، دون أن يدري من أمر تربيتهم ورعايتهم شيئا بعد ذلك..!!. وكما نعلم كذلك فإن المؤسسة الدينية والفقهية في بلادنا تعتبر أن هذا الظلم الزوجي و"الجور الشرعي"، في قسمة تفتقر لأبسط موازين العدل والإنسانية، هو من شرع الله الذي يلزم الرجل والمرأة معا مهما كانت حالتهما، ونعلم أيضا أن طائفة عريضة من النساء في مجتمعنا تعتبرن هذا الوضع الظالم وضعا مميزا بالنسبة لهن يكفل لهن القوة والهيمنة على الرجل، ونعلم بالطبع أن الأغلبية الساحقة من الرجال في مجتمعنا يعتبرون هذا الوضع وضعا ذكوريا مثيرا للفخر والغرور، إذ يكفل لهم التحرر من التبعات الأسرية والمسئولية التربوية تجاه الأطفال بالكامل، ويعطيهم وضعا مميزا بعد الطلاق يمكنهم من الارتباط بعلاقات زواج جديدة وإنشاء أسر جديدة بسهولة ويسر، وهنا المأساة الأسرية والقانونية والمجتمعية التي صرنا نعايشها كل يوم ماثلة في آلاف الحالات إن لم يكن في كل حالات الزواج والطلاق في مصر.

أقول قولي هذا دون أن يُفهم منه أني أحاول التماس عذر أو مبرر للأم المتوحشة ولجريمتها البربرية، ودون أن يُفهم منه أيضا أني أحاول إدانة "الشرع" والنعي على الفقهاء وهم يستحقون، إنما أريد أن يُفهم منه ما يجب وما يستحق أن يُفهم، وهو أني كرجل مصري لا يسعدني هذا الإكراه الشرعي والقانوني على الحرمان من تربية ورعاية أطفالي في حالة الطلاق، ولو كان هذا الحرمان من الأطفال يعني الذكورة والرجولة في النظرة الشرقية الجلفة المتخلفة، كما لا يسعدني أيضا أن تُكره المصريات على الحرمان من الحياة نظير القيام بكل المسئولية تجاه حضانة الأطفال في حالة الطلاق. ولكن يسعدني كرجل يعيش في القرن الواحد والعشرين تطبيق مبدأ المساواة التامة بين الرجل والمرأة في حالة الزواج وحالة الطلاق معا، حيث يقتسم الزوجان هموم العيش وأعباءه في الحالتين بمساواة كاملة لا يشوبها استعباد ذكوري مزر بالمرأة، ولا يلحقها استعباد نسائي انتقامي بالرجل. فليس هذا التطاحن المتبادل في العلاقة الزوجية بين الزوجين غير نتيجة طبيعية لهذه القسمة الجائرة ما بين حضانة ونفقة، وهي قسمة تؤسس لكل جرائم النزاع بين الزوجين، وصولا إلى حادث قتل امرأة لزوجها وبناتها الثلاث، لمجرد أن تحصل على حق طبيعي لها كان يجب أن يمنحه لها القانون والمجتمع في بدء حياة جديدة.
----------------------
بقلم: عصام الزهيري

مقالات اخرى للكاتب

222 عاما على ثورة القاهرة الثانية: هل يكفي صدق الدافع الوطني لصنع ثورة؟





اعلان