29 - 03 - 2024

متحف بورسعيد القومي فرصة توشك أن تهدر

متحف بورسعيد القومي فرصة توشك أن تهدر

خبر صغير يتضمن تصريحات عدة لنائب عن مدينتي بورسعيد أثار في شجونا وأدمى الفؤاذ في غير موضع.

وأخذا في الاعتبار أن بعضا مما جاء على لسان النائب المحترم يدخل تحت بند الاختلاف في وجهات النظر سأتوقف فقط عند ما جاء فيها من "معلومات" بشأن إعادة بناء متحف بورسعيد القومي.

مفاد تلك المعلومات أن وزارة السياحة والآثار تعاقدت مع أحد المستثمرين المصريين لإعادة بناء متجف بورسعيد القومي على أن يقوم وفقا للاتفاق ببناء المتحف على شكل طابقين على مساحة 2000 متر مربع فيما يتم استغلال باقي المساحة البالغة 9 الاف متر مربع في إنشاء مساحات خضراء  و "مولات وكافتريات لتحقيق الجذب السياحي للمنطقة المواجهة للمجرى الملاحي لقناة السويس".

بالطبع وضعت بين علامتي التنصيص ما جاء في تصريحات السيد النائب حرفيا دون تدخل مني.

والحقيقة أنني أرى ما ورد آنفا "خطيئة" لن تغتفر إذ يبدو منها أن المتحف سيحتل فقط نحو خمس المساحة الإجمالية لقطعة الأرض ذات الموقع الفريد على بداية المجرى الملاحي للقناة من جهة الشمال بنما تشغل بقية المساحة مولات وكافتريات ومساحات خضراء وبلا جدال فإن القول بأن ذلك يزيد من إمكانات الجذب السياحي يقصد به السياحة الداخلية إذ ليس من المنطق في شيء القول بأن المستهدف هو اجت>اب السائحين الأجانب.

فتلك البقعة الفريدة من "العبث والبخس" إشغالها بمولات وكافتريات يمكن أن تقام في مناطق أخرى دونها في القيمة المادية والسياحية وستجد لها روادا حتما.

ونظرا لوقوع هذه المنطقة على قارعة أهم مجرى ملاحي في العالم فمن الرشد أن تستغل كليا لأغراض تتصل بتحفيز السياحة وتوثيق العلاقات الحضارية بين شعب البحر المتوسط فضلا عن منح بورسعيد المدينة التي فرضت اسمها على التاريخ الحديث متحفا قوميا يليق باسمها وتاريخها وهو أمر لن يوفره المتحف القزم المقترح.

فالمتاحف الحديثة ليست فاترينات لعرض المقتنيات وإنما هي مؤسسات ثقافية وتربوية ترسخ الهوية الوطنية وتفصح عن اتساع نطاق العطاء الحضاري للأمم وتشابك العلاقات فيما بينها.

وفضلا عن المقتنيات الأثرية التي كشفت عنها الحفائر الأثرية في محيط بورسعيد بدءا من الفرما "بلوزيوم" وإنتهاء ببحيرة المنزلة وجوارها هناك أيضا مقتنيات ذات قيمة فنية وتاريخية كلها تشرح لرواد المتحف تاريخ هذه البقعة الغالية من تراب مصر وما شهدته من حضارات وحروب أيضا.

وإلى جانب المقتنيات الكثيرة التي يمكن أن يضمها العرض المتحفي فإن المتحف يجب أن يزود بمكتبة علمية متخصصة ومعامل الحفظ والصيانة والترميم وكافتريات ومنافذ بيع للكتب والمقتنيات الفنية والنماذج وقاعات لأنشطة الأطفال ذات الصلة بالأعمال اليدوية والفنية التي يعرضها المتحف ناهيك عن حديقة متحفية وقاعة مؤتمرات ستكون الحاجة إليها ماسة باعتبارات تواصل المتحف مع متاحف حوض البحر المتوسط.

إن موقع المتحف يعد فرصة استثنائية وغير قابلة للاستبدال بغيرها وسيكون من الخطأ شغل هذا الموقع الفريد بمولات يمكن أن تقام بأي مكان آخر.

وجلية الأمر أننا بحاجة لمتحف يراه المارة في المجرى الملاحي مطلا بمهابة تعكس ملامح الانجازات المعمارية لحضارة مصر في أطوارها المختلفة وهو أمر يستحق أن تقوم وزارة الآثار بعمل مسابقة عالمية لتصميم هذا المتحف بواجهاته الأربع لا أن يترك الأمر لمستثمر مهما كانت نواياه حسنة.

وإذا كانت هناك حاجة لمنشأة معمارية إلى جانب المتحف "المهيب" فهي حتما لفندق عالمي بتصميم يتوافق مع تصميم واجات المتحف وليخدم الأنشطة ذات الطابع العالمي التي سيقوم بها المتحف من معارض وندوات ومؤتمرات ستشكل بحد ذاتها جذبا سياحيا خاصة مع إمكانية استغلال الجزء المقابل من المجرى الملاحي لرسو السفن التي تحمل زوارا لمصر.

أتمنى أن لا نخلد للحلول السهلة ولا ننصاع للرؤى الاستهلاكية الضيقة الأفق التي توشك أن تحول موقعا فريدا إلى متحف صغير تحيط به مولات تجارية ومقاهي فتلك البقعة جديرة بأن تطل منها وعلى امتداد البصر نحو زرقة السماء تحفة معمارية وتاريخية تحكي للعالم كله عظمة مصر واسهاماتها الحضارية وأن وزارة السياحة والآثار لديها خطة طموحة افتتحت في ظلها عدة متاحف مؤخرا ولا يخالجني شك في أنها يمكن أن تعطي لإعادة إنشاء متحف بورسعيد القومي ما يستحق من الاهتمام بحكم موقعه الفريد والنادر.

------------------------

بقلم: د. أحمد الصاوي

مقالات اخرى للكاتب

عصافير بايدن





اعلان