18 - 05 - 2025

عاصفة بوح| كلنا نوال أو بعض منها

عاصفة بوح| كلنا نوال أو بعض منها

من أجمل ما قالته عن والدها احترامه لمن يعرض عليه الطريق السهل  بمكاسبه والطريق الصعب بتبعاته، فيختار الطريق الصعب .. أتصور أن تلك المقولة رسخت فى ضميرها وجعلتها بوصلة توجهها فى كل مناحى حياتها.. دفعت الثمن؟ قطعا، ولكنها ماتت مرتاحة الضمير لأنها ما أملى عليها أحد فكرا او موقفا يناقض مبادئها طوال حياتها، وكانت مستعدة عن طيب خاطر أن تدفع ثمن حريتها واستقلاليتها حتى آخر نفس. 

اتهموها بالفسق والجنون والخروج عن التقاليد والملة، وكان ردها دائما فعلا وقولا أن الله أعدل وأرحم وأحكم من أن تصدر عنه تلك المفاهيم المغلوطة، التى يدعونها عليه سبحانه. 

ربما شطح بها القول أحيانا من كثرة الظلم المجتمعى المستند زورا وظلما الى دين الله وكتابه، ربما لم تر نقاء النص وغرضه وسط ظلم التاويل والتفسير وظلامية الاستغلال وتوظيف النصوص لأغراض مادية وجسدية ومصالح دنيوية فاسدة ومغرضة، جعلها ربما تتشكك فى الرب الذى يوصوفونه لها بأنه منحاز للذكور وظالم للنساء، حاشا لله!

ما حدث فى مجتمعنا، بعد أن قفز عليه فى غياب لقيم الحضارة المصرية والفرعونية الأصيلة حيث حكمت النساء بينما كانت فى دول و حضارات أخرى تباع وتشترى كالنعام بل وتورث مع بقية المتاع، جعلها تفزع من حجم التراجع الحضاري حتى تشككت النساء فى قيمتهن الانسانية وأنهن فى أسفل السلم الإنساني، خلقن للتمتع والخدمة وإنجاب الأبناء، مما أفزعها وصدمها وجعلها تواجه المجتمع في أعتى قضاياه وهي ختان البنات!

أقول لو أن حياتها تمحورت فقط حول تلك القضية وحدها، لكفاها شرفا أنه بعد عشرات السنين استيقظت الدولة، وجرمت هذا الفعل الدامى بصورة رادعة لعلها تخيف هؤلاء المجرمين!

قضية الختان كانت بالنسبة لها أكبر من قطعة جلد، تصور الجهلاء أنها تعصم المرأة من السقوط فى عسل المتعة الحرام خارج إطار الزوجية، بل وصلت إلى حق المتعة الحلال  فى الزواج.. فهى هنا قد تصدر أحكاما على الزوج لوشاركته هذا الحق، إنما كانت مجرد مفعول بها.. فلا ملامة أو تقييم، ويظل الرجل مصونا مهما كان فاشلا فى الأداء، أو كان لا يصلح هو وأمثاله للزواج، ومع ذلك يفعلونها لإخفاء الحقيقة البائسة بعجزهم أو شذوذهم. 

اقول يكفيها شرفا أنها تبنت تلك القضية، ومعها تحرش المحارم وصولا إلى الزنا بهم.. لكى تنال أعظم التقدير الاجتماعي. ولكن حدث العكس وتم التشهير بها بعدما كشفت المستور.. بدلا من فتح هذا الملف الشائك الذى تفاقم وعانت منه البنات فى مختلف الطبقات، ولم يستطعن حماية أنفسهن منه.. لأنه كان كاللهو الخفي، لا أحد يتكلم عنه أبدا، إذن هو غير موجود.. بينما يتركون البنات يعتقدن بأنهن ملعونات وآثمات لأنهن يتعرضن لشيء لا أحد يتحدث عنه، أو يظللن سبايا للمجرمين الشواذ، حتى تم كشف الغطاء عنه وبدأت القصص تروى والقضايا ترفع وأخيرا زارت الشجاعة المجتمع، ليتعرف على شيء رهيب يمارس على نطاق واسع اسمه تحرش المحارم!

أتصور أن كلا منا - نحن النساء - بنا جزء من الدكتورة نوال أو المقاتلة نوال، التى قدرت قيمة الحرية والمساواة فى حياتها ومنحت أملا لغيرها بأن الظلم ليس قدرا، والحرمان والقهر ليس فرضا دينيا يمارسه المجتمع بغلظة وقسوة عليهن .. وأنه فعلا لا يضيع حق وراءه مطالب. 

هى كانت نائبة عنا فى المطالبة بحقوقنا، ومع ذلك نالها من صاحبات تلك الحقوق ما آلمها وأمرضها أحيانا، إنها متلازمة ستوكهلم - تماهى الضحية مع المعتدى بحيث يصبحون واحدا بل ويدافعون عمن أجرم فى حقوقهم ويسخرون أو يعنفون من دفع حياته وطمأنينته وقبوله المجتمعى فداء تلك الحقوق.

أتصور أن الإحساس بالخذلان من الجميع قد صاحبها فى الدنيا غير معروف، بالإضافة لضعف الضحايا وجبنهن وإنكارهن للاعتداء حتى لايواجهن عائلاتهن ومجتمعاتهن، هو ما قهرها حقا. فقد كانت ترى نفسها الوحيدة فى ساحة الحرب - إلا من من رحم ربى ليطببوا قلبها فى وحدته وغربته فى مجتمع  يدينها، ويرفع فى وجهها صكوك الإيمان ويتوعدها دنيا وآخرة، بالويل و الثبور وعظائم الأمور.. أي الجحيم! 

قد لا نتفق مع الساحرة الشقية البهية نوال فى كل قضاياها وأفكارها، ولكن ذلك لا يجب أن يفسد للود قضية أو يجعلنا ننكر عليها إنجازات عصرها وأنها ظلت حتى بلغت أرزل العمر تقاوم وعيونها تلمع فى وجهها الممتليء حيوية عن قضاياها وعن حق الإنسان فى الحرية والعدل والمساواة.

من يكره حقا تلك القيم النبيلة؟ من يكرهها قطعا يكره نوال، أما نحن النساء التي تركت فينا بعضا منها قبلنا ام رفضنا ذلك.. ندين لها بالشكر والتبجيل لأنها دافعت عنا فى عصور الوهابية والتزمت الدينى والاضمحلال الحضاري، ونحن فى زهوة الزمن, و صرخت بأعلى صوتها: تعيش النساء حتى آخر الزمان أيقونات الفكر والعقل والعطاء. 

تعيشين إلى الأبد يا دكتورة نوال فى قلوبنا نتابع مشوارك بأن زينة المرأة والرجل، لا فرق بين نون النسوة وجمع المذكر السالم!!
-------------------------
بقلم: وفاء الشيشيني

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | علمتني غزة