25 - 04 - 2024

قبل أن ينتقل التحكم في شريان حياة مصر إلى أيدي عنصرية ومعادية

قبل أن ينتقل التحكم في شريان حياة مصر إلى أيدي عنصرية ومعادية

كتبت كل ما لدي عن الزراعة والمياه ونهر النيل وقضية سد النهضة في كتب ودراسات وكراسات استراتيجية وخاتمتها الجامعة كتابي الصادر مؤخرا عن دار "المرايا" بعنوان "نهر النيل.. الأساطير والحقوق والصراع المصري-الإثيوبي". وأي كتابة جديدة هي نوع من التكرار دوره الأساسي هو التذكير بالقضية. 

وإذا كان هناك من شئ ينبغي أن نعيد التذكير به في هذه اللحظة المصيرية فهو أن اتفاقية 2015 الرديئة ينبغي التخلص منها نهائيا بمبرر واضح هو عدم وفاء إثيوبيا بالتزاماتها في تلك الاتفاقية. كما يجب التذكير بأن الاتفاقية الأساس والعمدة هي اتفاقية 1902 التي وضعت الحدود الدولية لإثيوبيا مع السودان ومنحتها إقليم بني شنقول الذي يُقام سد النهضة على أرضه، وهي تلزم إثيوبيا بعدم إعاقة التدفق الحر لمياه النيل الأزرق ونهر السوباط وعدم احتجاز أي قطرة منهما. وكانت اتفاقية 1891 قد فعلت الأمر نفسه بالنسبة لنهر عطبرة. 

نحن لا يعنينا اعتراف إثيوبيا بحصة مصر من مياه النيل الذي تتعدد روافده الاستوائية والإثيوبية فذلك أمر لا يخصها أصلا، وإنما يعنينا ضمان التدفق الحر بلا أي احتجاز للمياه من الروافد الإثيوبية لنهر النيل فهي مياه مصر وحقها التاريخي وفقا لانتساب المياه للحياة التي خلقتها والتي يعتمد وجودها واستمرارها كليا عليها، وليس لبقعة الأرض التي سقطت عليها الأمطار ولم ترتبط بأي حياة فيها حيث تعتمد إثيوبيا على الزراعة على المطر (يسقط عليها من 900-950 مليار متر مكعب من الأمطار)، وعلى وفرة المياه السطحية الفائضة عن الاستخدام من أنهار أخرى، وعلى المخزون الكبير من المياه الجوفية العذبة.

كما يجب التذكير بأنه رغم أهمية تحجيم سعة الخزان وإطالة سنوات الملء، إلا أن الأهم هو المشاركة في الإشراف على إدارة التخزين في بحيرة السد بصورة دائمة وملزمة حتى لا يتحول السد إلى محبس لمنح أو قتل الحياة في مصر بيد إثيوبيا التي تحكمها عصابة معادية لمصر وعلى رأسها رئيس وزرائها جزار التيجراي. ولا ينبغي توقع الكثير من المجتمع الدولي فالولايات المتحدة لا يهمها سوى مصالحها ولا تأبه للقانون الدولي والاتفاقيات المنظمة للعلاقات المائية بين مصر وإثيوبيا خاصة وأننا تأخرنا كثيرا في عرض موقفنا وأحقيتنا في مياه النيل وتدفقها الحر. وأزمتها مع إثيوبيا تكمن في أن الأخيرة تعمق علاقاتها الاستراتيجية الشاملة مع الصين التي ترعى التطور الاقتصادي لإثيوبيا باستثمارات ضخمة وقروض كبيرة وشراكة تجارية واسعة النطاق على قاعدة المصالح ولا غير ذلك.

أما الصين فإن سياستها الخارجية المبنية على المبادئ قد دُفنت مع الزعيم المؤسس ماوتسي تونج، وأصبحت تلك العلاقات تُدار بشكل برجماتي وعلى قاعدة تحقيق المصالح الصينية فقط وصحيح أنها تعتمد منهجا سلميا يحترم سيادة الدول الأخرى ويتجاهل سلوكها الداخلي كليا، إلا أن مواقفها ترتبط بمصالحها وفقط. وفي شأن سد النهضة فإن الصين في الجانب الآخر من التل.. إنها إلى جانب إثيوبيا حيث تبني الشركات الصينية شبكة الخطوط الناقلة للكهرباء من المحطة الكهرومائية للسد إلى مختلف مناطق إثيوبيا وضمنها المناطق التي توجد بها استثمارات وشركات صينية تحتاج لتلك الكهرباء الرخيصة.

أما روسيا التي تتفهم حاجة مصر لمياه النيل، فإنها ترفض العمل العسكري كخيار لضمان التدفق الحر لها، وهي تحاول إرضاء كل من مصر والسودان وإثيوبيا معا بموقف مائع لا يفرق وجوده عن عدمه ولا يرضي أحدا.

وبالنسبة للاتحاد الأوروبي فإن موقف بلدانه لا يختلف عن الموقف الروسي ويزيد عليه بالنسبة لإيطاليا أن إحدى أكبر شركاتها (ساليني) تقوم بالدور الرئيس في تنفيذ السد وبالتالي فإنها إلى جانب إثيوبيا، خاصة وأن الظلال القاتمة لقضية تعذيب وقتل "ريجيني" في مصر ما زالت تسمم أجواء العلاقات بين القاهرة وروما.

أما الاتحاد الإفريقي فإنه لا يرغب في نشوب أزمة كبرى لا يستطيع معالجتها وبالتالي يفضل بقاء الحال على ما هو عليه والتسليم بالأمر الواقع عمليا وهو موقف يفضي للتحيز للجانب الإثيوبي لاعتبارات تتعلق بالعجز والعنصرية.

والخلاصة أن قضية سد النهضة والتي تنقل التحكم في شريان حياة مصر وروحها ووجودها إلى أيدي عنصرية ومعادية لن تتورع في سنوات الجفاف عن إلحاق أضرار جسيمة وكارثية بمصر، لن يعالجها المجتمع الدولي غير المعني بالتهديد الكبير الذي تتعرض له مصر طالما لم يتحول إلى أزمة إقليمية كبرى تجبر المجتمع الدولي على الاهتمام ووضع القانون الدولي والاتفاقيات المنظمة كأساس لحل الأزمة وفقا للمثل العامي الشامي (إن ما كبرت ما بتصغر). وبالتالي فالأمر كله ملقى على عاتقنا ويتعلق بما نفعله والمنطق الحاكم هنا هو: "ما حك جلدك غير ظفرك فتول أنت جميع أمرك".

ولن يصعب على مصر مواجهة دولة تعتبر علاقاتها مع كل جيرانها قابلة للانفجار، ومصيرها هي ذاتها هو التفكك بشكل شبه حتمي لأنها مكونة من خليط من الأعراق المتصارعة والتي ينتشر التمييز العنصري والتنموي بينها وتتمركز كل مجموعة عرقية في منطقة محددة، وهو أمر أفضى في كل البلدان المشابهة إلى التفكك حتى في البلدان المتقدمة في أوروبا. تحركت الخارجية المصرية بشكل جيد حتى لو كان متأخرا، لكن الفعل الآن لجهات أخرى لحماية شريان حياة مصر وسر وجودها وروح شعبها في لحظة مصيرية استثنائية تعلو فيها شرعية الدفاع عن وجود الأمة وشريان حياتها على كل ما عداها.
--------------------------
بقلم: أحمد السيد النجار

مقالات اخرى للكاتب

من المقالة للاستقالة





اعلان