29 - 03 - 2024

«اوعى تنسى تاخد اللقطة»

«اوعى تنسى تاخد اللقطة»

للوهلة الأولى.. عندما تقع عيناك على هذه العبارة، ربما تجنح إلى أنها قد تحملُ لغة استهجانٍ واستنكار، بل استخفاف واستهزاء ممن يحاول توثيق مواقفه عبر الصورة، لا سيما مع توافر هواتف المحمول في حوزة السواد الأعظم، علاوة على امتلاك الكثيرين صفحات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقد يُفسَّر الأمر كذلك على أن ثمة من يريد إظهار نفسه من باب "شوفتوني وأنا مسافر، أو وأنا بجامل"، سواء عزاء أو فرحًا، رياءً كانت الصورة أم سذاجة، إلا أنه ومع أن ذاك ربما يكون له حظ من وراء إبراز اللقطة، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن يُرى أهمية لفعل ذلك.. كيف؟

مواقف عدة ساقت إلى هذه الفكرة أو الخاطرة، أولها انتشار وباء كورونا الذي خسر العالم جراءه نحو 4 ملايين روح من مختلف الفئات والأعمار والجنسيات والطبقات، وغابت شموس كبار وصغار، أغنياء كانوا أو فقراء، لم يفرق الوباء بين وزير وخفير، وصار الموت يحوم حولنا من كل حدب وصوب، حتى إنه يُظن ألا أحدا لم يفقد قريبًا أو صديقا أو زميلا أو أيًا من دائرة معارفه.. هنا وفي ظل استمرار هذه الجائحة، تكمن أهمية الصورة، أو اللقطة.

ثاني المواقف يتمثل في سرقة لحيظات العمر التي تمر كسرعة البرق، إذ فجأةً تتذكر أيام صباك وشبابك، ثم دخولك العقد الثاني فالثالث والرابع وهلم جرا، ورغم قيام المرء بسبر أغوار أزمنة تلك السنوات، فإن كثيرين لا يجدون ما وثقوه خلال هذه المواقف بكل ما حملته من فسحة أو مهمة، حزن أو فرح، عناء ومشقة أو نجاح وارتياح.. كثير من ذلك يستحق التسجيل لا شك.

ثالث  المواقف يرتبط بشكل كلي بدائرة الأسرة خاصة، والعائلة والأصدقاء عامة، كثيرون فجأة يفتشون في كاميراتهم، فيجدون أنه لم تجمعهم صور مع أقرب أقربائهم، ويا للمأساة إذا فقد هذا القريب أو ذاك الصديق أو الحبيب بغتةً.. فجأةً.. تتحول صفحته الشخصية دفترا لتلقي العزاء، ويهيم وحده في مخيلته من دون صور تراها عيناه، وإن كان الفقيد حاضرا بروحه..

من هنا وعبر هذه الزاوية دعوة تواصل مملوءة بالحب لجلِّ من يطالع هذه المقالة ولو مصادفةً، أن يوثقوا كل ما يستحق التوثيق، أن يسجلوا لحيظات سنفارقها لا محالة، أن يرسموا بسماتهم ويعنونوا رحلاتهم وزياراتهم..

وفي الأخير، مناشدة كلها رجاء لكل من له عزيز على قيد الحياة، اسأل عنه كثيرا، و«اوعى تنسى تاخد اللقطة».
----------------------------------
بقلم: عزت سلامة العاصي

مقالات اخرى للكاتب

«العصفور المفترس».. هل أدرك المحتل حجمه؟





اعلان