26 - 04 - 2024

شاهد على العصر (41): الكفاح من أجل الطلاق المسيحي يطرح ثماره

شاهد على العصر (41): الكفاح من أجل الطلاق المسيحي يطرح ثماره

توقفنا عند فض اعتصامات النهضة ورابعة العدوية وماصاحبما من أحداث، واكتفينا بهذه الأحداث حيث أنها لا تزال حتى الآن أحداثا متواصلة، ولكل واحد رأيه وتوجهه، والأهم تبقى للتاريخ كلمته التى ستظل أيضا قابلة للحوار وإعادة القراءة على ضوء المتغيرات وما يظهر من وثائق وحقائق وخفايا وقرارات متعددة. 

ورأينا أن نعرج إلى محطة أخرى وهى بعض القضايا الفكرية التى كانت لنا فيها رؤية فى مرحلة زمنية وفى ظروف لم تكن مواتية لطرحها. فهناك افكار حاكمة، كانت وستظل تتحكم فى الرأى، فتخمل العقل وتجمد الفكر وتسقط الحوار. فيصبح الرأى الآخر والنظرة العقلية فى مواجهة تلك الأفكار الحاكمة غريبة، لأنها أخذت صفة المقدس وهى لاعلاقة لها بأى مقدس ولكن لمجرد أنها الموروث والمتواتر، خاصة لو كانت هذه الأفكار الحاكمة جاءت من جانب المؤسسة الدينية التى تحافظ على بقائها وتعزز من مكانتها فى مواجهة المؤسسات الأخرى على أرضية الاستفادة الذاتية للمؤسسة باسم الدين وكنوع من التميز عن اى اخر دينى أو غير دينى.  

بالطبع، هذه المواجهة لهذه الأفكارالتي تكتسي صفة المقدس تكون نتيجتها الدفاع عن الأفكار الحاكمة والممارسات المتجذرة إصرارا على استمرارية بقائها فى صورتها المقدسة المصنوعة. وتكون النتيجة هى نعت الأفكار الجديدة والتى تحاول أن تعمل العقل وتحرك الفكر بأنها افكار مهرطقة وخارجة عن الإيمان ( بالطبع ليس الايمان الدينى ولكن الايمان بهذا الموروث غير المقدس).

ولا أكون مبالغا إذا قلت أننى شاهدت وعشت ظروفا قاسية وحروبا شرسة ليس بمفردى ولكنها امتدت إلى أسرتى وأولادى بل وحتى أحفادى لم يسلموا من هذه الحرب الدنيئة. 

ولكن إرادة الله وعدالة السماء شاءت أن أعيش حتى أرى نتائج ما عانيت بأن أصبحت هذه الآراء لها من يؤمن بها ويعترف بالنظرة المستقبلية التى كانت تطرح من خلالها هذه الأفكار. 

على رأس هذه الأفكار قضية الطلاق عند المسيحيين. فعند طرحى لهذه القضية فى تسعينات القرن الماضى والتى بدأت بمقالين مطولين فى مجلة روزاليوسف وتكرر ذلك فى المقالات والبرامج والقنوات التلفزيونية حتى أصبحت قضية مجتمعية لاقت فرصة للمناقشة التى كانت ممنوعة ومحرمة. كان الطلاق فى المسيحية والحديث عنه والكتابة فيه هو نوع من الجنون والعته والدخول فى الممنوع. 

ولكن هل توجد قضايا تمس حياة الإنسان الذى كرمه وأحبه الله لاتناقش ولايتم التحاور فيها؟ وهل الطلاق كان ومنذ بدء الخليقة بنفس المواصفات التى تقول إنه لإ طلاق إلا لعلة الزنا؟ وهل هذه المقولة وردت فى الإنجيل نصا؟ 

الطلاق لا يكون بغير وجود الزواج، فبغير زوجين لاوجود للطلاق. فهل كان ومنذ البدء مراسم زواج حتى يكون هناك دواعى طلاق؟ 

لم تكن هناك مراسم زواج ولكن كان هناك زواج مجتمعى يعتمد على القبول بين الرجل والمرأة، حتى لو كان قبولا صنعته الأسرة وحددته الجماعة. والسمة الثانية هى الاشهار المجتمعى حتى تكون الممارسة الجنسية بين الرجل والمرأة تاخذ شكل الموافقة المجتمعية حسب العادات والتقاليد. كما أنه لم يكن هناك فى الزواج غير الخضوع للعادات والتقاليد حسب كل مكان وكل زمان، فالتعددية الزوجية من بين المحرمات كانت تحدث، حتى حدث التطور المجتمعى الطبيعى حتى كانت الأديان التى حاولت وضع بعض الاسس التى تتعامل مع الموجود من عادات وتقاليد ومع القيم الدينية الواجبة والحاكمة. اى أنه كان هناك زواج وكان هناك طلاق يحدد حدوده المجتمع المعاش. 

والعهد القديم وهو كتاب اليهود جاء فيه أن موسى أعطى حق الطلاق لليهود حسبما جاء في العهد الجديد، حينما حاول اليهود اختبار المسيح بمقولة موسى حينما خاطبوه قائلين له (أن موسى قد اعطانا كتاب طلاق) رد السيد المسيح قائلا: (موسى اعطاكم كتاب طلاق لقساوة قلوبكم). والمعنى هنا واضح وضوح الشمس أي أن قساوة القلب الانسانى المصاحبة للإنسان طوال الحياة والتى حين تتسبب فى استحالة الحياة الزوجية هنا تكون مقولة موسى وكلام السيد المسيح موجبة للطلاق الذى يكون حلا لمشاكل كثيرة. 

أما فى المسيحية فلم يكن هناك (سر الزواج) ذلك السر الذى يحتم على المتزوج أن يكون زواجه عن طريق الكنيسة وألا يعتبر زواجه غير شرعى كنسيا (وليس دينيا بالطبع) . فحتى القرن الخامس الميلادي لم يكن هناك سر للزواج فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وحتى القرن التاسع الميلادى لم يكن هناك سر للزواج فى الكنيسة الكاثوليكية التى تقول الآن (لا طلاق على الإطلاق) .

ومع ذلك لم تكن هناك قوانين تحدد الطلاق فى الإطار الكنسى، ولكن كان الطلاق يتم بناء عن رؤية خاصة يقتنع بها الأسقف، فيوافق على الزواج الثانى للزوج أو الزوجة المطلقة، بل كانت هناك كثير من الحالات التى توافق فيها الكنيسة على التعددية الزوجية للمسيحى فى حالة عدم قدرة الزوجة على الإنجاب ليتزوج من الثانية مع بقاء الأولى!. 

وفى عام ١٩٣٨ قام المجلس الملى العام للكنيسة الأرثوذكسية، وكان هو بمثابة المحكمة الملية التى من اختصاصها الحكم فى قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين الارثوذكسي، بوضع لائحة للأحوال الشخصية تنظم كل مراحل الخطوبة والزواج والطلاق. 

ولأن فكرة الطلاق كانت قد ارتبطت فى الكنيسة بخطيئة الزنا، فأصبح الزنا هو السبب الأول والأهم لعملية الطلاق هذه. كما أن لائحة ١٩٣٨ كانت تعتمد على فلسفة (الوقاية خير من العلاج) بمعنى أنها كانت قد أقرت عشرة أسباب تعطى الطلاق قبل أن تصل الأمور إلى حالة الزنا الفعلى. فلا تترك المشاكل المستحكمة بين الزوجين والتى تصبح فيها الحياة الزوجية مستحيلة، فيكون الزنا نتيجة طبيعية من الزوج أو الزوجة.

وكانت اسباب الطلاق فى لائحة ١٩٣٨ هى : 1- لعلة الزنى. 2 - خروج أحد الزوجين عن الدين المسيحى . ٣- غياب أحد الزوجين خمس سنوات متوالية .٤- الحكم بالسجن على أحد الزوجين لمدة سبع سنوات أو أكثر . ٥ - الإصابة بالجنون أو مرض معد غير قابل للشفاء .٦ - إصابة الزوج بمرض العته غير قابل للشفاء. ٧ - إذا اعتدى أحد الزوجين على حياة الآخر أو اعتاد ايذاءه. ٨- إذا ساء سلوك أحد الزوجين وفسدت أخلاقه.٩- إذا اساء احد الزوجين معاشرة الآخر واستحكم النفور بينهما . ١٠- إذا ترهبن الزوجان أو ترهبن أحدهما برضاء الآخر. 

وبعد ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢  صدر القانون ٤٦٢ لسنة ١٩٥٥ بعد الغاء المحاكم الحسبية والملية للمسلمين والمسيحيين وأصبحت المحاكم المدنية العادية لكل المصريين، فاصبحت شروط الطلاق ثمانية بدلا من عشرة. 

واستمرت هذه الشروط حتى مجيء البابا شنودة الثالث وبقرار بابوى منفرد عام ١٩٧١ ألغى العمل بلائحة ١٩٣٨ - حسب رؤيته الخاصة كراهب غير متزوج ولايعلم ولا يعيش المشاكل الزوجية - واختصر الطلاق الكنسى إلى حالة واحدة وهى علة الزنا فقط دون توضيح أو طرق اثبات لهذا الزنا. 

وكان البابا شنودة قد ابتدع مقولة (لا طلاق إلا لعلة الزنا) حيث أنه لا توجد أية فى الكتاب المقدس تقول ذلك نصا، بل هى مقولة مستوحاة من الآيات التي تحدث فيها السيد المسيح عن أن من طلق امرأته دون سبب الزنا وتزوج من غيرها فهو يزني، كما أن هناك أية عرفت الزنا وهى (من نظر إلى امراة واشتهاها بقلبه فقد زنى بها).

وهذا يعنى أن الزنا هنا ليس جسديا ماديا بل نفسيا وعقليا، وبهذا المعنى لو اعتمدنا على التفسير الحرفى نكون كلنا زناة. فمن منا لم ينظر إلى امراة ويشتهيها طوال حياته؟ وهذا يعنى المعنى الروحى وليس الحرفى. 

تم تضييق الأمور واقتصارها على عملية الزنا، فعند استحالة الحياة الزوجية نرى أحد الزوجين يقوم باتهام الآخر بأنه زانى حتى يحصل على الطلاق. والأهم فعندما تتأزم الامور ولايتم الطلاق وتستحيل الحياة نرى ثلاث نتائج مؤلمة ومرعبة: الأولى : ادعاء الزنا من كل طرف على الاخر . الثانية: تغيير الدين فيدخل المجتمع فى أزمة طائفية تدعى وتختلق عمليات التاسلم التى تهدد سلامة الوطن. الثالثة: تخلص أحد الأطراف من الطرف الآخر جسديا!. 

فهل أراد الله للإنسان أن يعيش تلك المأساة عند حدوث مشاكل زوجية؟ يقول الانجيل (أريد رحمة لا ذبيحة). 

كما أن القيادة الكنسية هم رهبان لاعلاقة لهم بالحياة الزوجية ولا بمشاكلها، فكيف يكون أحدهم حكما فيما لا يعرفه؟ غير التفسير النصى الذى يعتمد على بقاء المؤسسة الدينية حاكمة ومتحكمة فى البشر!

ولكن ومن خلال التصعيد الاعلامى والمجتمعى، وبعد وجود البابا تواضروس وهو أكثر انفتاحا بل قل أقل تحكما، هناك الآن إعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين. وهناك ايضا حالة من الانفتاح العملى فى الكنيسة لحل المشكلة بروح انجيلية وليست نصية. فهناك شروط أكثر منطقية الآن حاولت أن تتعامل مع روح لائحة ١٩٣٨ فكانت تلك الشروط هي: ١- السماح بالتطبيق إذا ترك الزوج أو الزوجة المسيحية إلى الإلحاد . ٢- السماح بالطلاق المدنى بسبب الفرقة مع استحالة الحياة الزوجية. 3- إعطاء الحق للكنيسة فى الزواج الثانى من عدمه. 4 - توسيع مفهوم الزنا الحكمي وعدم قصره على العلاقة الجنسية فقط . 5 - شمل الزنا الحكمي (المكالمات التليفونية والمكالمات الالكترونية والتحريض على الدعارة وتبادل الزوجات والشذوذ). 

فالبند (٤) وهو يعطى الكنيسة الحق فى عقد الزواج الثانى من عدمه يعنى تمسك الكنيسة بالسيطرة على الحقوق الإنسانية للبشر، فالزواج حق طبيعى وفطرى.

ولذلك بالرغم من الاحساس بالسعادة فى أن النضال فى هذه القضية المجتمعية وليست الدينية قد أتى بالنتائج المعقولة، ولكن سيظل النضال قائما حتى يكون الزواج لكل المصريين زواجا مدنيا دون تفرقة بين مصرى وآخر. ويكون من حق المواطن بعد ذلك أن يتزوج عن طريق الكنيسة أو المأذون فهو حر. وحتى نحقق الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة. 
--------------------------
بقلم: جمال أسعد عبدالملاك

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (٩)





اعلان