19 - 04 - 2024

شاهد على العصر (40) الثورة على من اختطفوا الثورة واقتلاعهم من الحكم

شاهد على العصر (40) الثورة على من اختطفوا الثورة واقتلاعهم من الحكم

هل كان وصول جماعة الإخوان للحكم بالطريقة التى تمت، تعبيرا حقيقيا عن الثورة وعما أراده المصريون فى ٢٥ بناير؟ 

قلت سابقا أن الثورة لاتتم الا إذا كانت هناك ظروف موضوعية (إحساس الشعب بالظلم والفساد والمحسوبية ....الخ ) تتوافق مع الظرف الذاتى (وهو وجود تنظيم ثوري لديه منهج وخطة ثورية والأهم أن يكون مرتبطا بالجماهير سياسيا ويمتلك إمكانية التعبير عن هذه الجماهير وتلبية مطالبها تحقيقا لأهداف الثورة حتى يتم التغيير للأحسن فى كل مناحى الحياة) وبالجماهير التي يقودها التنظيم الثورى يتم إسقاط النظام السابق عليها.  

فماذا حدث؟ 

الذى حدث منذ البداية هو سيطرة الإخوان على ميدان التحرير (رمز الثورة)، وذلك لأسباب أهمها وجود نخبة وأحزاب وقوى سياسية تم تهميشها منذ عودة الحياة الحزبية عام ١٩٧٧ بقرار من السادات، واستمر التهميش وازداد فى عهد مبارك حتى أصبحت الأحزاب السياسية رغم كثرتها أحزابا كرتونية تؤدى دورا مطلوبا لزوم الشكل الديمقراطى. نعم لا أحد ينكر أن المعارضة - داخل الأحزاب أو خارجها - كانت قد مارست كثيرا من أنواع النضال ودفعت الثمن سجونا واعتقالا الشيء الذى راكم فى السياق العام النضال الوطنى ضد استبداد أنظمة الحكم. 

ولكن للاسف الشديد، كانت سياسة مبارك اللعب على المتناقضات بين الأحزاب والمعارضة، فتم اختراق الحياة الحزبية والسياسية، فأنتج ذلك طغيان الفردية والذاتية وتغليب المصالح الشخصية، ما أنتج حياة حزبية شكلية فقدت التواصل الجماهيرى فغابت عن الشارع وإن بقيت تناضل وتتحدث فى الإطار الإعلامى وكفى الله المؤمنين شر القتال. 

فى مقابل ذلك كان الإخوان قد استغلوا هذا الواقع السياسي، وتوافقوا مع النظام على أن يتركوا الحكم لمبارك وأتباعه، ويسيطروا هم عمليا على الشارع باسم الدين والحفاظ عليه، وكان من أساليبهم توزيع المساعدات العينية والمادية بإغداق لاتقدر عليه الدولة، فتشكلت لديهم خريطة اجتماعية تتحول سريعا إلى خريطة انتخابية عند اللزوم. 

بعد أحداث ٢٨ يناير وتمكن الجماعة من الحشد متى يريدون، حدث خضوع مقنع من النخبة للجماعة تحت مبررات الثورة، وكان هذا الخضوع إغماضا للعين عن أهداف الجماعة التاريخية التى تبتغى الوصول إلى حكم مصر منفردة وبدون نخب سياسية وحزبية. 

سارت الأمور، ووصلت الجماعة للحكم تحت شعار زائف وهو (مشاركة لامغالبة) ولكن كان الهدف بلا تردد (مغالبة لا مشاركة)، وصل الإخوان للحكم فى ظروف غير طبيعية ولم يدركوا كيفية التعامل مع الواقع والمعطيات السياسية وهى البوصلة الهادية التى بها يمكنهم النجاح فى حكم مصر. 

فبدأت منذ اللحظة الأولى محاولة أخونة الدولة واسقاط هويتها المصرية التى تكونت على امتداد التاريخ والتي أصبحت قابعة فى الضمير الجمعى المصرى أيا كانت الأصول العرقية أو الجنسية أو الدينية للمصريين، وهذه خاصية متفردة لمصر. 

فكان الاحساس العام باستهداف الهوية المصرية الجامعة فى مقابل شكل مستورد من الانتماء، حتى لو كان تحت مسمى الدين الاسلامى، هو الحافز وعامل الاستفزاز لكل الجماهير، وبالطبع فى المقدمة كان المسلم المنتمى لمصر والذى يعلم أن الجماعة لاعلاقة لا بجوهر الدين ولكن هى اولا واخيرا هدفها التنظيم. 

فكانت الجماعة (وعلى هذه الأرضية وفى إطار الممارسات والقرارات التى تستعجل التأخون) فى جانب، والمصريون كلهم فى جانب آخر. 

كانت الجماعة ضد الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والأزهر والأقباط ، ومن البديهيات السياسية لأى نظام أن يكون حائزا على الشرعية الجماهيرية، رغم ذلك من اللحظة الأولى كانت الجماعة تسير فى الطريق الذى يفقدها هذه الشرعية الجماهيرية، خاصة عند إصدار البيان الدستورى فى نوفمبر ٢٠١١٢. هنا أخذ التصاعد الجماهيرى فى رفض الإخوان وكل ممارساتها ومن كل الاتجاهات. 

فى ٢٨ ديسمبر ٢٠١٢ كتب د .يحيى القزاز مقالا فى موقع الوعى العربى يطالب فيه بانتخابات رئاسية مبكرة هروبا من الجحيم، وكان يقصد بالجحيم الحرب الأهلية التى أخذت مظاهرها تسيطر على الشارع وعلى علاقات القوى السياسية والجماهير بالاخوان كاقتراح يحمى الوطن. 

فى ٩ يناير ٢٠١٣ ظهرت مبادرة من المجلس الوطنى المصرى، والذى انبثق من مؤتمر مصر الاول الذى عقد فى قاعة المؤتمرات بمدينة نصر بحضور اكبر تجمع لكل القوى السياسية من الشخصيات العامة وضم السياسيين والفنانين والصحفيين والرياضيين ...الخ فى مواجهة تجمعات وحشود جماعة الإخوان التى كانت قد انفردت بإظهار القوة فى مواجهة الجميع. وهذه المبادرة كانت تأييدا لفكرة القزاز بعقد انتخابات رئاسية مبكرة. 

فى مارس ٢٠١٣ اجتمع عدد من شباب حركة كفاية لتفعيل فكرة المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة ولكن كانت حدثت خلافات بين الشباب وبين بعض القيادات (الكبيرة فى السن والتى تريد فرض الوصاية)، فاجتمع الشباب ومعهم بعض القيادات من كفاية وغيرها من الحركات السياسية وتبلورت فكرة الدعوة إلى انتخابات مبكرة. وقام بعض القيادات بالتبرع لطبع مليونى استمارة حملت اسم (تمرد)، كما تم عقد مؤتمرات فى الفنادق الكبرى للشخصيات العامة للتوقيع فى حضور وسائل الإعلام المحلية والعالمية. 

"تمرد" كانت حركة معارضة مصرية لسحب الثقة من محمد مرسى والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، قامت بدعوة المواطنين إلى التوقيع على وثيقة تحمل اسم الحركة التي سعت لتسجيل المعارضين بالاسم وبطاقة الرقم القومى لإضفاء الشرعية على مطالبها وتكوين زخم شعبى لها (وذلك على غرار التوكيلات التى تمت لوفد السياسيين لمفاوضة الإنجليز فى ١٩١٩). 

عملت الحركة على جذب انتباه الإعلام من خلال عدد التوقيعات التى حصلت عليها من خلال عقد مؤتمرات صحفية للإعلان عن عدد الموقعين، وأعلنت حركات المعارضة الآخرى مثل كفاية وجبهة الإنقاذ الوطنى و ٦ ابريل والجمعية الوطنية للتغيير دعمها لحركة تمرد. وبحلول ٢٩ يونيو ٢٠١٣ كانت الحركة قد نجحت فى جمع أكثر من ٢٢ مليون توقيع وهو مايزيد عن هدفها المبدئى (١٥ مليونا) فاكتسبت شعبية واسعة.

فى مقابل حركة تمرد، أعلن عن حركة مواجهة باسم (تجرد) يقودها عاصم عبدالماجد احد قيادات الجماعة الإسلامية لجمع توقيعات تطالب ببقاء مرسى حتى استكمال مدته الرئاسية.

فى هذا المناخ الرافض لحكم الجماعة، بدأ أعضاؤها باعتصام فى رابعة العدوية يوم ٢٨ يونيو تزامنا مع اعتصام معارضى مرسى والإخوان فى التحرير، ومنذ ٢٨ يونيو اتخذ شباب الإخوان وقياداتهم وأنصار شرعية مرسى من كلمة الشرعية شعارا لهم فنصبوا الخيام الواحدة تلو الأخرى بالميدان فى إشارة لوجود دعم جزء من الشعب لشرعية مرسى. 

اكتسبت حركة تمرد زخما شعبيا أدى بالجماهير إلى تلبية دعوة النزول إلى ميدان التحرير والى كل ميادين مصر يوم الاحد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ تأكيدا وتأييدا للمطالب، فنزل الشعب بأعداد غير مسبوقة فى التاريخ المصرى ليس فى التحرير فحسب ولكن فى كل الميادين المصرية بالمحافظات والمراكز. 

وفى اليوم الأول لتظاهرات ٣٠ يونيو، حدثت احتكاكات واعتداءات من شباب الجماعة ضد المتظاهرين. وتجدر الإشارة إلى نزول المصريين المسيحيين بشكل لم يحدث من قبل، وذلك كان أمرا طبيعيا نتيجة لسياسات الجماعة فى عام حكمهم ضد المصريين بشكل عام وضد المسيحيين بشكل خاص، حيث كانت الاعتداءات على المسيحيين والكنائس وعلى الكاتدرائية قد كثرت، ناهيك عن تلك التصريحات والممارسات التى كانت تصف المسيحيين بالكفر ...الخ 

وفى أسيوط كانت أعنف المواجهات من شباب الجماعة ضد المظاهرات التى كانت أمام محافظة أسيوط حيث يوجد بالمحافظة تجمع مسيحى كبير، ونتج عن الاعتداءات عدد من القتلى والمصابين. 

كعادتى فى مثل هذه الأحداث التاريخية لابد أن أتواجد فى بلدتى بالقوصية، تجمع المتظاهرون فى ميدان سينما النصر بالقوصية وكانت المفاجأة وجود نساء من كل الاتجاهات وكان بينهن أكبر عدد من النساء المسيحيات! كما كان هناك رجال من كل التوجهات خاصة من رجال الحزب الوطنى سواء كانوا أعضاء مجلس شعب أو أعضاء مجلس شورى أو قيادات فى الحزب، مع العلم أنه فى أثناء المظاهرات التى قمنا بها يوم الجمعة ٢٨ يناير بالقوصية لم يكن هناك بالطبع عضو واحد من أعضاء الحرب الوطنى.

وعند التحرك فى شارع الجلاء كانت المفاجأة الأهم هى خروج تجمعات غير مسبوقة تظهر من كل الاتجاهات والشوارع والحوارى فى مشهد يوصف بالتاريخى بالفعل، فى هذه الأثناء جاءتنى مداخلة تلفزيونية من برنامج نظرة الذى يقدمه حمدى رزق على قناة صدى البلد وكان رئيس تحرير البرنامج الأستاذ أسامة سلامة، حتى أنى تحولت فى المداخلة التى استمرت أكثر من ٢٥ دقيقة إلى مراسل للقناة أصف هذا المشهد التاريخى الرائع فى القوصية. وقبل انتهاء المظاهرة ظهر أعضاء الجماعة فى شارع الجلاء واعتدوا على المتظاهرين بالخرطوش مما أدى إلى إصابة كثير من المتظاهرين وبعض السيدات اللاتى كن فى شرفات المنازل للمتابعة.

سافرت يوم الاثنين أول يوليو ٢٠١٣ إلى القاهرة للمشاركة فى برنامج (نظرة) على صدى البلد لمتابعة الأحداث التى أصبحت ساخنة وتنبيء بالجديد، شاركت فى البرنامج مع الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق وعند عودتى إلى ميدان التحرير شاهدت التاريخ يتجسد فى الشعب المصرى العظيم الذى كان يتدفق فى الشوارع والحوارى وعلى الكبارى وصولا إلى الميدان الذى أصبح  له امتداد طبيعي حتى الدقى والمهندسين، إضافة إلى التظاهرة التى كانت أمام الاتحادية والتى أصبحت كتلة واحدة تجمع مصر الجديدة بكل أحيائها. 

وظللنا فى ميدان التحرير الاثنين والثلاثاء والأربعاء ١و٢و٣ يوليو.

لم تكن المظاهرات المليونية فى٣٠ يونيو ٢٠١٣ بنت لحظتها أو مؤامرة ضد نظام حكم أو تنفيذا لأوامر من جهات لها مصلحة، ولكن كانت هناك ظروف موضوعية تنامت وتكرست، وفارقت بين حكم مصر الدولة والتاريخ والحضارة، وحكم جماعة وتنظيم يريد الاستحواذ والسيطرة وأخونة الوطن، وتأكد للجميع أن الإخوان يعملون بكل السبيل لإسقاط الهوية المصرية الجامعة حتى تكون ولاية تابعة تحت مسميات دينية لاعلاقة لها بالدين ولا بالمتدينين. 

كما أن الدعوة إلى تكوين حركة (تجرد) فى مواجهة حركة (تمرد)، إضافة إلى بدء اعتصام ميدانى النهضة فى الجيزة ورابعة العدوية فى مدينة نصر بالقاهرة يوم الجمعة٢٨  يونيو ٢٠١٣ مع دعوات فى مختلف البلاد لمواجهة مظاهرات الاحد ٣٠ يونيو، أوجد إحساسا بأن الجماعة تهدد بقيام حرب أهلية تكرارا لما حدث قبل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية بين مرسى وشفيق!!. 

فى ظل هذا المناخ المتوتر لوح الجيش بالتدخل إذا خرجت المظاهرات المزمعة فى ٣٠ يونيو عن السيطرة. هنا قال وزير الدفاع الفريق السيسى (أن الجيش لن يظل صامتا أمام انزلاق البلاد فى صراع يصعب السيطرة عليه) وكان هذا قبل اسبوع من ٣٠ يونيو.

ودعا السيسى الجميع دون أى مزايدات لإيجاد صيغة تفاهم وتوافق ومصالحة حقيقية لحماية مصر وشعبها، قائلا: (لدينا أسبوع يمكن من خلاله أن نحقق الكثير وهى دعوة متجردة إلا من حب الوطن وحاضره ومستقبله)، وكان هذا أقوى تحذير من المؤسسة العسكرية منذ أن سلم الجيش السلطة إلى محمد مرسى. 

كانت المظاهرات المليونية وغير المسبوقة فى التاريخ المصرى والتى فاقت كل التوقعات وتخطت كل التحليلات، قد أوجدت شعورا متدفقا بالوطنية المصرية والدفاع عن مصر وهويتها الحضارية مهما كانت النتائج، ولذا كان الأحد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ إنذارا عالي الصوت وضوءا احمر لكل من يريد بمصر سوءا. 

يوم الاثنين أول يوليو ٢٠١٣ أصدر القائد العام للقوات المسلحة بيانا يمهل فيه القوى السياسية ٤٨ ساعة لتحمل أعباء الظرف التاريخي، وذكر البيان أنه فى حالة لم تتحقق مطالب الشعب خلال هذه المدة، فإن القوات المسلحة ستعلن خارطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها، كما شمل البيان عبارة (أن الشعب لم يجد من يحنو عليه) 

صدر هذا البيان عصر الاثنين ١ يوليو، فأحدث حالة من الارتياح والثقة والتحفيز لمواصلة التظاهر خلال مدة المهلة هذه، حتى كانت مظاهرة الاثنين والثلاثاء والاربعاء ١و٢و٣ يوليو تاريخية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني، خاصة أنه فى هذه الليالى تحديدا كانت الطائرات الحربية تحلق فوق ميادين القاهرة وغيرها من المحافظات إضافة إلى عرض شعارات تظهر على مبنى مجمع التحرير تؤكد كثيرا من المعانى التى كانت أعطت الجماهير الثقة فى نفسها وفى قواتها المسلحة.  وأصدر حزب النور السلفي ومعه الدعوة السلفية بيانا طالب فيه مرسى بالموافقة على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وجاء فى البيان تعبير عن الخشية من عودة الجيش للحياة العامة. 

فى نفس اليوم استقال خمس وزراء تضامنا مع المتظاهرين، كما استقال سامى عنان مستشار مرسى العسكرى وقدم ٣٠ عضوا بمجلس الشورى استقالاتهم، وكذلك تقدم محمد كامل عمرو وزير الخارجية باستقالته. وأعلنت وزارة الداخلية فى بيان لها تضامنها مع القوات المسلحة مذكرة بأنها تقف على مسافة واحدة من جميع التيارات السياسية. 

كان الوقت يمر ويضيف للمشهد ملامح ثورية وشعبية تعلن عودة الشعور الوطنى والثورى الذى صمم على التخلص من نظام يريد اختطاف الوطن من أصحابه الحقيقيين. 

يوم الثلاثاء ٢ يوليو كان هناك خبر عن خطاب سوف يلقيه مرسى مساء، وانتظر الجميع هذا الخطاب مما جعل ميدان التحرير يتحول الى صالة عرض ينتظر فيها الجميع، لم تكن هناك تحليلات تتوقع استقالة مرسى أو حتى موافقته على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وذلك لإدراك الجميع كيف تفكر الجماعة فى الاستحواذ والسيطرة والبقاء فى حكم مصر، بعد أن تحقق لها هذا الحلم الخيالى!  

بالفعل جاء الخطاب معبرا عن حالة نفسية كانت قد أصابت مرسى، وأخذ يعلنها فى جملة واحدة طوال الخطاب بشكل أقرب لحالة هستيرية وهي (الشرعية أنا وانا الشرعية وسأحافظ على الشرعية بدمى وبكل ما أملك).

تخلل هذه الحالة حديث عن مبادرة قدمت إلى مرسي من بعض الأحزاب تضمنت عدة نقاط منها: تشكيل حكومة كفاءات وتشكيل لجنة لمراجعة الدستور ولجنة للمصالحة الوطنية وتعديل الإجراءات فى قوانين الانتخابات النيابية وتمكين الشباب فى السلطة التنفيذية ووضع ميثاق شرف اعلامي، وأعلن مرسى موافقته عليها بجميع نصوصها. بينما كان خطابه بمثابة شرارة بدء وإذن بالتحرك المسلح فى عدة مناطق، فحدثت مواجهات فى حي بين السرايات المجاور لجامعة القاهرة، وكانت الاعتداءات بمثابة وقود يشعل نيران الثورة فى الميدان. 

وتولد شعور بالثقة لدى الجماهير فى كل مكان بأن نظام الإخوان قد انتهى، وظهر ذلك فى الكم الرهيب الذى أطلق من الألعاب النارية بميدان التحرير وفى كل الميادين إيذانا بسقوط الجماعة. 

عصريوم الأربعاء ٣ يوليو ٢٠١٣ أعلن عن صدور بيان في المساء من القوات المسلحة للشعب المصري، انتظر الشعب صدور هذا البيان على أحر من الجمر حتى التاسعة مساء، لحين انتهاء المهلة التى منحتها القوات المسلحة للقوى السياسية. 

وخرج الفريق عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع ليعلن إنهاء حكم مرسي، على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد لحين اجراء انتخابات رئاسية مبكرة وتعطيل العمل بالدستور. عقب بيان السيسى قام كل من شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب والبابا تواضروس بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وكذلك محمد البرادعى المفوض من المعارضة المصرية بالقاء كلمة، وجاء فى كلمة البرادعى (أن خارطة المستقبل تهدف إلى تحقيق المصالحة الوطنية وتمثل بداية جديدة لثورة ٢٥ يناير) ونصت الخارطة على: 

- تشكيل حكومة كفاءات وطنية تتمتع بجميع صلاحيات إدارة المرحلة الحالية . 

- تشكيل لجنة لمراجعة التعديلات الدستورية على دستور ٢٠١٢. 

- مناشدة المحكمة الدستورية العليا اصدار قانون انتخابات مجلس الشعب والبدء فى إجراء الانتخابات. 

- اتخاذ الاجراءات لتمكين ودمج الشباب فى مؤسسات الدولة ليكونوا شركاء فى السلطة التنفيذية. 

- تشكيل لجنة عليا المصالحة الوطنية.

- وضع ميثاق شرف اعلامى يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية.

بعد البيان احتشدت واحتفلت الملايين المناهضة لحكم مرسى فى وقت متأخر من الليل وأطلقت الألعاب النارية فى العاصمة كما أطلق سائقو السيارات أبواق سياراتهم سعادة وبهجة بالإطاحة بحكم الجماعة، مما حول العاصمة إلى كتلة بشرية توقفت في شوارعها أي حركة.

فى ٤ يوليو تم شن هجمات فى شبه جزيرة سيناء فيما أعلن الجيش المصرى حالة الطوارئ القصوى فى محافظات السويس وجنوب سيناء.

فى ٨ يوليو حاول اتباع مرسى اقتحام مبنى الحرس الجمهورى بحجة تخليص مرسى من الاحتجاز، وحدث اشتباك بين اتباعه وبين الجيش أسفر عن القبض على ٢٠٠ منهم كما نتج عن ذلك عشرات القتلى والجرحى. 

تصاعدت المظاهرات التى تنظمها الجماعة فى كثير من البلاد مطالبة بعودة مرسى للحكم مما نتج عنه كثير من الاحتكاكات والمواجهات الدامية من الجماعة ضد جماهير ٣٠ يونيو. 

وتحول اعتصام رابعة إلى تجمع للإخوان وأنصارها تحت مسمى (الحفاظ على الشرعية)، وحاولت الجماعة تحويله إلى دولة بديلة للدولة، فأعلن عن حكومة ومجلس شعب ومجلس شورى، وكان يتم الإعلان عن اجتماعات لهذه المسميات للايهام بوجود دولة بديلة، بل كانوا يقومون بعقد لقاءات مع مسؤولين من بعض المنظمات وبعض مبعوثى الدول التى كانت تتعاطف مع الجماعة تحت زعم أن نظام مرسى كان قد جاء بطريقة ديمقراطية. 

استمر الاعتصام وتزايد المشاركون فيه خاصة كل يوم جمعة، حيث كان التنظيم يمد الاعتصام بأتوبيسات ممتلئة بالتابعين من المحافظات دعما للاعتصام، إضافة للذين كانوا يقيمون إقامة كاملة هناك. 

ازدادت أحلام أنصار الجماعة بعودة مرسى وترددت شائعات بأن الأسطول السادس الأمريكى قد جاء إلى المتوسط لكى يعيد مرسى إلى الحكم، وأعلن محمد البلتاجى أن الإرهاب الذى يحدث فى سيناء سيتوقف فور عودة مرسى إلى الحكم. 

أصبحت رابعة تمثل أرقا شديدا لايمكن أن تستقيم الأمور بدون التخلص منه، وتراكمت الإنذارات من الحكومة تطالب بفض الاعتصام سلميا، ولكن لم تستجب الجماعة لأى انذار أو لأى وساطة داخلية او خارجية، فكانت شعارات عودة مرسى هى الحاكمة والمتحكمة فى الجماعة. 

فى ١٤ أغسطس ٢٠١٣ قامت الشرطة والجيش بفض اعتصام النهضة ورابعة مع فتح ممر آمن لإمكانية الخروج والمغادرة سلما، وحدثت مواجهات دامية فى الاعتصامات وفى غيرها. كانت أوامر الجماعة اعتبار فض الاعتصام ساعة الصفر التى تتحرك فيه الجماعة على مستوى الجمهورية لإثارة الفوضى والرعب ايحاء بوجود حرب أهلية فى مصر، وتلك كانت رسالة للعالم الخارجى للتدخل فى شئون مصر الداخلية. 

نتج عن ساعة الصفر هذه ١٠٤ حوادث فى ٢٢ محافظة خلال ١٦ ساعة فقط بمعدل حادث كل عشر دقائق وانقسمت مابين اعتداء على أقسام الشرطة ومحاكم وكنائس وأديرة ومتاجر ومنازل للمسيحيين إضافة لمدارس خاصة بالأقباط. 

أما القوصية فكان نصيبها فى مساء يوم ١٤ أغسطس اعتداء على منزل ابن شقيق زوجتي، حيث كان على خلاف سابق مع أحد أعضاء الجماعة، وفى أثناء المظاهرة الإخوانية التى تجوب شوارع القوصية، قام المتظاهرون بإشعال حريق فى المنزل بعد الهجوم عليه وسرقة محتوياته، وتجمع أهالى القوصية الشرفاء فى مواجهة الجماعة التى منعت سيارة الإطفاء من الوصول للمنزل، فقاموا بإطفاء الحريق. والأهم أنه فى يوم الجمعة ١٦ اغسطس كان هناك تجمع شعبى من أبناء القوصية بعائلاتهم وباسلحتهم أمام جميع كنائس القوصية بكل طوائفها لحماية الكنائس من هجوم متوقع من الجماعة، وكان هذا إنذارا خضعت له الجماعة ولم تحدث اعتداءات على اى كنيسة. هذه هى القوصية وهذه هى مصر.
------------------------
بقلم: جمال أسعد عبدالملاك

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (٩)





اعلان