25 - 04 - 2024

محطــــات | الخطـاب الجحـاوى

محطــــات | الخطـاب الجحـاوى

صرنا كالببغاوات يوم أن تركنا آذاننا لجحا، وسلمنا بأن أقوالــه هى عين الحكمـة  فأي حكمـة فيما قالـه جحـا عندما سُئل " أين بلدك ياجحــا " فأجـاب " البلد إللى فيه مراتى " ؟!
* طبعـا هذا غير صحيح ولا يمت إلى الحكمـة بصلة أو حتى بحزمة جرجير  ، بل إن دل على شىء  فإنما يدل على ضيق النظرة وعدم استشراف المستقبل ، لأن الحكمة تقول أن بلد المرء هو البلد اللى فيه أكل عيشه !!
* فزمن جحا يختلف عن زمننــا ، زمن جحــا لم يكن المـرء مضطرا فيه للبحث عن عقد عمل فى نجد أو الكوفة أو البصرة، فكان الأكل والعمل متوفران فى البلد بجوار المحبوبة، يذهب المرء فى الصباح للعمل ويضبط ساعته البيولوجية على أنه فى آخر اليــوم يكـون متربعــا على الطبلية بجــوار محبوبته، وهى تزغطه لحم الضأن كذكر البط  !!
* طبعا سيظهر من يعارض هــذا الرأى ويقــول أن جحــا على صـواب لأن أم كلثوم قالت " على بلد المحبوب ودينى "، إذن بلد الفــرد هـو بلد المحبـوب ، فنقول : ماذا لــو أن بلد المحبوب يحكمه حاكـم يفرض الضـرائب ، هــل كان سيذهب إليـه ليجـد نفسه بدلا من أن يصرف على محبوبته ، يصرف على الحكومة ؟!
* إن فى أقوال جحـا الكثير من العيوب ، تأمل مثلا رده السلبى عندما قيل له " النار مشتعلة فى بيت جارك ياجحا " ، فقال " مادامت بعيدة عن بيتى مايهمنيش " ، فهذا الرد يكرس للسلبيـة ، ولكن لــو نظرنا بحكمة ، فالحكمة هنــا تقتضى أنه كان يجب عليه أن يسأل " فى بيت مين ؟ " لربما تكون فى بيت العز ، فيلحق ياخد له عنقــود عنب من العنبة الطارحة على باب بيت فايزة أحمد !!
* الخلاصــة لايجب التسليـم بأقــوال السلف على أنها حكمــة مسلم بهــا ، فليس كل أقــوال السلف صالحــة، ولكم فى جحا الأســوة السلبيـة ، فجحا نفسه لو كان يعيش بيننا هذه الأيــام كان سيكـون له رأى آخـر فى مسألة الإبقاء على المسمار ، بعد أن باع البيت ولم يبع المسمار ، حتى يكون حجة له لدخول البيت كلما شم عند أصحابه الجدد رائحة طشة الملوخية !!
* طبعــا جحــا كان سيتنازل عن المسمــار، بعد أن يجــد نفسـه مطالبـا بتسجيله فى الشهر العقارى، ومن هنا يجب العمل على تجديد الخطـاب الجحاوى، وخلق خطــاب جديــد يتناسب مع المرحلــة ،فمن غير المعقــول أن يظــل حمــار جحـا رمزا للتنقل في الوقت الذى أصبح فيــه السفر متاحــا بالطائرة والفيرارى والزلمكـة ، مالم يكن التنقل بالحمار أكثر أمنا ، حيث أننا لم نسمع عن حمار اصطدم بحمار أو شبت فيه النيران مثلما نسمع عن قطارات السكة الحديد 
!!
--------------------------
بقلم: بهاء الدين حسن
(من المشهد الأسبوعي)



مقالات اخرى للكاتب

محطــات| السِلَع على الأرفف





اعلان