26 - 04 - 2024

التلفزيون والسلام الاجتماعى

التلفزيون والسلام الاجتماعى

لايقتصر تعريف الأمن القومى على الموقع الاستراتيجى والقدرة الاقتصادية والمواجهة العسكرية وعلى سياسة خارجية تجيد تسويق الأفكار والإقناع بالحقوق والحصول على مزيد من الأصدقاء والمؤيدين، ولكن لابد من سياسة داخلية تعتمد فى المقام الأول على توافق وطنى وحشد شعبى قوامه السلام الاجتماعى والعدالة الاجتماعية.

واذا كان السلام الاجتماعى بصفة عامة يعنى غياب المظاهر السلبية مثل العنف والحقد والحسد، ولذا فالمقابل فهناك مظاهر إيجابية مثل الهدوء والاستقرار والصحة..الخ. كما ان العدالة الاجتماعية تعنى أيضا ذلك النظام الاقتصادى والاجتماعى الذى يهدف إلى إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع، أي أن تسود العدالة فى كافة مجالات المجتمع بدلا من انحصارها فى عدالة القانون فقط. 

ولذا وعلى مر التاريخ وجدنا أن الصراع الانسانى بشكل عام سواء كان هذا الصراع بين الإنسان والطبيعة لكى يضمن الإنسان الأمن والأمان، أو بين الإنسان والإنسان حتى يحقق الإنسان ذاته فى ظل صراع طبقى بين غنى وفقير وبين قوى وضعيف. 

وحتى يمكن تهذيب وتقويم هذا الصراع ظهرت النظم السياسية المختلفة التى تحاول التعامل مع كل الطبقات فى إطار ماسمى بالسلام الاجتماعي، ولذلك وجدنا كل نظام سياسى يحاول الاستفادة من النظم الأخرى بهدف الوصول لذلك السلام، فالبرغم من سيطرة النظام الرأسمالي على الساحة الدولية، وبعد ظهور النظم الاشتراكية وماصاحبها من حقوق عمالية وحقوق تؤكد العدالة الاجتماعية، كانت هذه الحقوق وتلك العدالة تمثل إكسير الحياة للنظم الرأسمالية بعد تبنيها لهذه الممارسات، وذلك حتى يتم تجاوز الصراع الطبقى بين العمال وأصحاب العمل. 

نعم العدالة الاجتماعية لاتعنى المساواة فى المطلق بين من يعمل ومن لايعمل، ولكن هى تضمن للجميع فرصة عمل وأن يكون ناتج ذلك الحصول على حياة إنسانية تسقط الحقد والحسد والضغينة الاجتماعية. وهذا يتحقق فى ظل نظام اقتصادى إنتاجى وغير استهلاكى. فالنظام الاستهلاكي يتبعه إعلام يسوق ويسعى ويجذر القيم والسلوك الاستهلاكي الذى يذهب بالناتج الفردى وبالتالى الناتج القومى أدراج الرياح. فما بالك إذا كان الإعلام والإعلان لاحديث ولا عمل لهما غير نشر القيم والعادات الاستهلاكية، فماذا سيكون رد فعل غير القادر على مسايرة تلك العادات الاستهلاكية ؟ مع العلم أن الطبيعة الإنسانية، خاصة لغير القادر، هى المحاكاة والتقليد والحلم بالتملك نتيجة الإلحاح المستمر على هذه القيم والسلع الاستهلاكية. 

فهل التلفزيون وهو أهم الوسائل الإعلامية التى لها تأثير مباشر على المشاهد وخاصة فى رمضان له تأثير ايجابى أم تأثير سلبى؟ لاشك أن الإعلانات المستفزة والتى تجاوزت كل الحدود سيكون لها رد فعل عكسي ويمثل خطورة حقيقية على السلام الاجتماعى. فما تأثير الإعلانات عن مايسمى (أماكن السكن المغلقة التى تخص خاصة الخاصة) على ساكن الحواري والعشش وغير القادر على تملك شقة حجرة وصالة؟ ما هو تاثير الإعلانات عن الملابس والأماكن والمأكولات التى لاعلاقة للغالبية الغالبة من الشعب المصرى بها؟ حتى في برامج الاكل لاتخلو قناة من مطبخ يسلم لمطبخ اخر لإعداد أنواع لاعلاقة لنا بها ولا حتى بإجادة نطق اسمائها! فى الوقت الذى يعتبر فيه الفول والطعمية غاية المنى، هذا ناهيك عن الدراما التى أصبحت كل الاماكن التى يتم التصوير فيها هى الفيلات والسرايات والأثاث الفاخر الذى يتجاوز حتى قدرة الطبقات القادرة على اقتنائه، حتى شقة الموظف العادى نرى فيها ما لاوجود له على أرض الواقع . 

كل هذه الإعلانات الإستهلاكية والمستفزة تمثل خطورة حقيقية على سلامة الاقتصاد الوطنى وعلى السلام الاجتماعى الذى نحن فى أحوج مايكون إليه الآن، ونحن فى ظل ظروف وتحديات داخلية وخارجية تتطلب أن نكون جبهة واحدة متوافقة وطنيا ومتحابة اجتماعيا حتى نسقط كل مايكرس الحقد والحسد ويوجد ضغينة لا ولن تكون فى صالح الوطن والمواطن . 

حمى الله مصر وشعبها العظيم.
-------------------------
بقلم: جمال أسعد
(من المشهد الأسبوعي)

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (٩)





اعلان