20 - 04 - 2024

وجهة نظري | حى الشيخ جراح .. الانتفاضة مستمرة

وجهة نظري | حى الشيخ جراح .. الانتفاضة مستمرة


ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.. فما يحدث فى حى الشيخ جراح بالقدس مجرد جولة فى معركة طويلة بين محتل عنصرى غاشم وأصحاب حق لايتوانون عن إسترداده.. يهدأ وقع الإشتباكات حينا، ويتصاعد حينا، لكنها ابدا لم تتوقف. ربما تبدو غير متكافئة ويتوهم البعض أنها لن تحسم إلا لصالح المغتصب بكل ما يملكه من قوة وعتاد ومساندة دولية تغض الطرف عن الانتهاكات والجرائم، ولاتتورع عن تقديم كل الدعم للكيان الصهيوني، والأخطر هرولة عربية آثرت مصافحة الأيادى الملوثة بالدماء حفاظا على عروشها، فسقطت عنها ورقة التوت بعدما بدا للجميع أن صفقتها المزعومة للسلام بلا مقابل ولاتصب إلا فى صالح المحتل.

لكن كما اعتدنا، وبينما تبدو سحب القضية الفلسطينية ملبدة بالغيوم، وبينما تبدو الأمور على الأرض مستقرة فى قبضة المحتل، فإذا بشرارة المقاومة تشتعل.. تذكر الجميع أن للأرض أصحاب لن يتنازلوا عنها، وأن للحق ايادى لن تكف عن المطالبة به وأن للحرية أصوات لن تخفت حتى تنتزعها.

فى حى الشيخ جراح بالقدس، بدأت جولة جديدة من سلسلة جولات لن تتوقف.. تحرك خبيث لضم مزيد من الأرض. أمر بإخلاء منازل الفلسطينيين بالحى لصالح المستوطنين بزعم أحقيتهم بالأرض. كعادتهم لم يعدموا الحيل، وكعادتهم فى إلباس الباطل ثوب الحق، زعموا أن المستوطنين قاموا بشراء أراضى الحى بشكل قانونى من جمعيتين يهوديتين، ولجأوا للقضاء لإثبات هذا الحق المزعوم.

دعوى قضائية طويلة الأمد هى الوجه الآخر لمعركة الإبادة والإحتلال واغتصاب الأرض، لم يكتف الكيان الصهيونى بحربه الشرسة الصريحة ضد الفلسطينيين العزل، لكنه أيضا لجأ لتزييف الحقائق وتزوير الأوراق والمستندات لتثبت بالتلفيق  إدعاءاتها الكاذبة بأحقية شعب بلا وطن فى وطن بلا شعب.

لكن للوطن دوما شعب يحميه، ورغم شراسة الاحتلال يظل لصوت الشعب وقع مفزع رغم بساطته فى إنتفاضة حجارة يرشق بها الصبية والشباب جنود الإحتلال.. وفى علم فلسطيني ترفعه الأيادى بتحدى.. وفى إبتسامة شابة فى طريقها للاعتقال ووجه مشرق لشاب لم ترهبه قيود السجان.. فى صرخة عجوز ترفض إخلاء بيتها.. وغضب إمرأة تقف بشموخ وعناد من يوقن بضعف خصمه رغم ما يحمله من سلاح.

وجوه كثيرة تحمل رغم قبح الواقع بعضا من أمل.. تزيد يقيننا بأن لا يأس مع شعب يمتلك هذا العناد، وأن لا أمل يمكن أن نعلقه سوى على تلك الأيادى التى ترفض ذل القيود وتجبر المحتل.

لن يعبأ هؤلاء كثيرا بصرخات الخزى الممجوجة التى يصدرها الجميع، القلق المزعوم الذى أعربت عنه الولايات المتحدة بشأن ما وصفته بالتوترات المتصاعدة فى القدس وحثها إسرائيل على إلغاء أى عملية إجلاء للفلسطينيين والالتزام باقصى درجات ضبط النفس. ووصف الاتحاد الأوروبي عملية تهجير الفلسطينيين من حى الشيخ جراح بأنه "غير قانونى".

ردود أفعال هزيلة، لاتخرج عن كونها كلمات جوفاء بلا معنى، لكنها فى الحقيقة تطلق أيدي المحتل لمواصلة جرائمه بلا حساب أو عقاب.

وكالعادة أيضا تأتى ردود أفعال الأنظمة العربية مجرد ذر للرماد فى العيون، تعرب الإمارات عن قلقها من أحداث العنف وتدين إقتحام المسجد الأقصى، وتدعو الكويت والبحرين إسرائيل لوقف الإستفزازات المرفوضة وترفض السعودية خطط إسرائيل لإخلاء منازل فلسطينية بالقدس وتعرب الخارجية المصرية عن بالغ إدانتها واستنكارها لقيام السلطات الإسرائيلية بإقتحام الأقصى، مؤكدة ضرورة تحمل السلطات الإسرائيلية لمسئوليتها وفق القانون الدولى لتوفير الحماية الأمنية للمدنيين وحقهم فى ممارسة الشعائر الدينية!

تقزمت القضية لتصبح مجرد توسل لسلطة الإحتلال لتحمل مسئوليته وتوفير الحماية للمصلين!، نشجب وندين ونستنكر بينما تواصل إسرائيل جرائمها عبر الاحتلال وطرد السكان وتغيير المعالم وتهويد الشوارع وضم قطعة وراء أخرى من الأرض.

ما حك جلدك مثل ظفرك، ربما تكون تلك القناعة التى بات كل فلسطيني يعول عليها.. تبدو المعركة صعبة ويبدو الصراع طويلا، وتبدو المواجهة شرسة بين شعب أعزل تخلى الجميع عنه وبين محتل ينعم بكل الدعم من الأشقاء قبل الغرباء.

معركة حى الشيخ جراح التى شهدت إصابة أكثر من مائتين فلسطينى لن تكون الأخيرة.. وللوطن دوما شعب يحميه حتى يتحقق النصر ويزول الاحتلال.
-------------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | إنسانية اللا عرب





اعلان