19 - 04 - 2024

أرباح التأمين الصحى وخسائر المرضى

أرباح التأمين الصحى وخسائر المرضى

العلاج المناعي للأورام الخبيثة يحتاج لقلوب رحيمة تدفع وتلين قلوب المسئولين 

على شماعة ضعف الإمكانات وقلة الدخل وعجز الموازنة إعتاد المسئولون من باب الإستسهال تعليق تقصيرهم فى حقوق المواطنين أو عجزهم على القيام بدورهم فى تذليل العقبات وتسهيل الخدمات المقدمة لهم..

ومع كل شكوى من سوء خدمة ومع كل صرخة مواطن عاجز ضعيف الحيلة غير قادر على تلبية أبسط إحتياجاته أو الحصول على أهم حق من حقوقه وهو حق الرعاية الصحية وأمام طوابير لاتنتهى لمرضى طغت على وجوههم علامات الإرهاق لتزيد من وجع المرض وشدة آلامه ..

أمام سيل من الإجراءات والروتين الخانق، يتعين على كل مريض أوقعه حظه للتعامل مع مستشفيات وعيادات التأمين الصحي، تتقاذفه تعليمات من طبيب لآخر ومن عيادة لأخرى.. يتحامل بجسده الوهن حاملا أوراقه المهترئة يخرج من مكتب لآخر، ومن غرفة لأخرى، يصعد ويهبط ويسير فى دائرة مغلقة حتى يتسنى له فك الطلاسم ومعرفة النظام والسير على التعليمات والإجراءات المطلوبة ..

ليس هذا فقط بل الأكثر ألما وأكثر ما يدفع للغضب هو شعور المريض بأن علاجه يفوق قدرة التأمين على تحمله، مريض الأورام هو أكثر من يشعر بتلك الأزمة..عندما يصل فى رحلة بحثه عن قشة يمكن أن تنجيه من براثن المرض الخبيث ويفتح له باب النجاة والشفاء، ويعرف بوجود علاج ناجع لحالته يجنبه مشقة العلاج الكيماوى ومايسببه من مضاعفات وآثار جانبية ثقيلة تهاجمه بلا رحمة، فتستنزف كل خلايا جسده تصيبها بالوهن يكاد يشعر بأن العلاج أقل رحمة من المرض. وكل من أصابه المرض اللعين يدرك أن آلامه غالبا لاتبدأ إلا بعد تلقى العلاج لاقبله، عكس غيره من الأمراض .. وربما فى ذلك تكمن سر تسميته بالخبيث .. فهو يمارس فتكه وإستنزافه للجسد فى صمت مخيف تتطلب علاجا أكثر شراسة لحسم معركة غالبا ماتتم على حساب جسد لاحول له ولا قوة.

يبدو علاج المرض الخبيث أقرب لشر لا بد منه، ومحظوظ من يجد بديلا للعلاج المعروف سواء الإشعاعى أو الكيماوى. لذلك يتلقف كثير من المرضى ظهور بديل لهما وهو مايطلق عليه العلاج الموجه والعلاج المناعى والتى تقل آثارهما الجانبية كثيرا، مقارنة بالعلاجات التقليدية ..المشكلة أن تكلفة هذه النوعية الجديدة مرتفعة خاصة العلاج المناعي، وتحتاج أحيانا لقلوب رحيمة تدفع وتحث وتلين قلوب المسئولين فى التأمين الصحى لصرف تلك العلاجات..

تبرير عدم تكافؤ الفرص للحصول على تلك العلاجات أو الاضطرار للبحث عن وساطة أو فى أفضل الأحوال تحمل سخافة الإجراءات الروتينية والدوامة المرهقة للعرض على اللجان واللجان المتخصصة واللجان العليا للحصول على موافقة على هذه العلاجات وهى بالمناسبة نفس الدائرة اللعينة التى يتعين على كل مريض خوضها للحصول على علاجه..

من غير المقبول تعليق ذلك التقصير على شماعة ضعف الإمكانات وقلة الموازنة، وعلينا الإعتراف صراحة أن الروتين ونظام التأمين الصحى الذى عفى عليه الزمن هما العقبة الأخطر التى تواجه تطوره وتشوب كل الإنجازات التى تبذل لتطويره ..

مرة أخرى لاتعلقوا على ضعف الإمكانات شماعة التقصير، فوفق ما تشير إليه الارقام أن جملة الإيرادات المتوقعة بمشروع موازنة الهيئة العامة للتأمين الصحى للسنة المالية 2022/2021 بلغت نحو 19 مليارا و96 مليونا و597 ألف جنيه مقابل 17 مليارا و872 مليونا و259 الف جنيه بموازنة العام المالى الجارى 2021/20 20 بزيادة قدرها نحو مليار و244 مليونا و338 ألف جنيه، ومن المتوقع كما أشار موقع اليوم السابع  تحقيق مشروع موازنة الهيئة العامة للسنة المالية الجديدة صافى ربح يبلغ قيمته نحو 13 مليار و524 مليونا و349 الف جنيه بزيادة قدرها 698 مليونا و79 الف جنيه عن موازنة العام الماضى..

خطة الموازنة المعروضة الآن على مجلس النواب ربما تمر كغيرها وسط تهليل النواب المبجلين، لكن مايغفله هؤلاء أن تلك الأرقام الصماء لاتكشف عن كل تفاصيل تكمن فيها صرخات المرضى وآلامهم وأناتهم .. تلك الصرخات التى من المفترض أن يكون المسئولون فى التأمين الصحى أو من يسمعها ويسعى لتخفيفها  ويكون نواب البرلمان هم أول من يحرص على مواجهتها ومحاسبة المسئولين عن التقصير للحد من تلك الشكاوى والإستغاثات والصرخات ..

التباهى بعرض أرقام صماء لايفلح فى تخفيف أوجاع مرضى بسطاء منهكين يعانون فى صمت ليقينهم أن أنات شكواهم وأوجاعهم عصية على الوصول لآذان وقلوب القابعون على كراسى السلطة، تلك هى المشكلة.  
---------------
بقلم: هالة فؤاد
(من المشهد الأسبوعي)

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | إنسانية اللا عرب





اعلان