20 - 04 - 2024

دراما العرض الواحد

دراما العرض الواحد

من منا لم يشاهد مسلسل ليالي الحلمية بجميع أجزائه عدة مرات، وأيضا رأفت الهجان، وذئاب الجبل، والضوء الشارد، والشهد والدموع، وغيرها من الأعمال الدرامية الرائعة التي استطاع كل منها إحداث حالة من الجذب والتشويق عند العرض الأول له، سواء كانت في الموسم الرمضاني أو خارجه، حيث أنه لم يكن هناك ذلك الفارق الكبير كما هو الآن. 

ورغم مرور كل هذه السنوات على إنتاج تلك الأعمال، إلا أنها ما زالت تحصل على نسب عالية من المشاهدات كلما أعيد عرضها، في المقابل نجد أن الدراما الجديدة رغم تكلفتها العالية، وتوفر الإمكانيات الهائلة مقارنة بالماضي، لا يمكن أن تشاهد أكثر من مرة، عند طرحها للمرة الأولى وربما مرة ثانية على الأكثر في حالة عدم متابعتها بشكل جيد، وذلك إذا كانت متميزة بعض الشيئ.. أعتقد أنه ما من أحد إلا وقد وجد ذلك الملل إذا حاول غصب نفسه على تكرار المشاهدة لعمل ما وهناك من يمل من البداية ويقرر عدم متابعة المشاهدة. 

ظاهرة غاية في الغرابة بالفعل، وأسبابها قد تكون متعددة ومختلفة، ولكن بالطبع ليس من بينها العزوف عن مشاهدة التلفاز واستبداله بالإنترنت و منصاته المختلفة، و \الدليل ما ذكرته عن الدراما القديمة.. وحتى لا يمكن أن نتهم الممثلين بضعف الموهبة، و بينهم الكثير من الموهوبين حقا.. ولكن أعتقد أن الموضوعات التي كانت تعبر عن المشاهد وتلمس حياته وبيئته بشكل مباشر، أو تذكره بماض أعز عليه من حاضره بشكل يحترم عقله، هي من أهم اسباب بقاء تلك المسلسلات.. مقارنة بالكثير من الأعمال الجديدة، والتي تجعل المشاهد يجد نفسه أمام مجتمع درامي لا يمثله نهائيا، خاصة عندما تكون هناك مبالغة في إظهار الثراء الفاحش، والقصور والفيلات وأحدث الماركات من السيارات، في بلد يعيش أكثر من نصف شعبه تحت خط الفقر، و النصف الآخر يكافح من أجل توفير قدر مناسب من حياة كريمة. 

حتى الأعمال التي من المفترض أنها تحمل رسائل ما، تأتي غاية في المباشر، مما يؤدي إلى نتائج عكسية تماما، خاصة وأن الجمهور الآن لا شك لديه درجات أعلى من الوعي، بسبب المصادر المتعددة للمعلومة. 

الفن مرآة المجتمع و صوته أيضا، وإن فقد تلك الميزات فلا بقاء له ولا أهمية.. وفي بعض الأعمال التي يقال أنها تنقل الواقع، لم يجد صناعها إلا القبح لعرضه، فكانت البلطجة و العنف والجريمة هي العنوان الرئيسي في جميعها، بينما لا نجد ابن البلد الشهم، أو السيدة المكافحة "الجدعة" أو تلك العائلة التي تعيش في حالة من الود والترابط و الاحترام، وهو أمر للأسف لا انكر أنه فقد بعض الشيئ من حياتنا  وقد يكون ذلك نتاج التدني في مستوى الفن، الذي يساهم في تشكيل هوية المجتمعات دون شك، وترسيخ قيمها التي إذا عادت إلى الشاشات رأيناها في الواقع مع الوقت.. وحتى لا نضع البيض في سلة واحدة، هناك بعض المحاولات الجيدة ولكنها نادرة، وإن كانت في المجمل لاترقى إلى المستوى المطلوب أيضا.
----------------------
بقلم: السعيد حمدي

مقالات اخرى للكاتب

المصريون نسخة أصلية





اعلان