26 - 04 - 2024

حفل المومياوات والهوية المصرية

حفل المومياوات والهوية المصرية

عاشت مصر وعاش العالم مساء السبت ٣ ابريل ٢٠٢١ ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة، مع نقل مومياوات ثمانية عشر ملكا من ملوك مصر العظماء واربعة من ملكات مصر العظيمات، من المتحف المصرى فى ميدان التحرير الى متحف الحضارات فى الفسطاط، فى مشهد احتفالي مصرى من أروع وأعظم وأفخر المشاهد التى لاتتكرر كثيرا فى العمر . 

كان الاحتفال تذكيرا بتاريخ يغيب كثيرا عن التذكر وتراث خالد يتم خلطه بما يتوافق وبما لايتوافق وعظمة حضارة أنارت ظلام العالم قبل الزمان بزمان. حفل أثبت فيه المصرى أنه بالفعل ابن هذه الحضارة وحفيد ذلك التاريخ. فكل ما قدم كان رسالة للجميع أن مصر وأبناءها قادرين دائما على الإنجاز والاعجاز. وبالطبع كل نجاح لمصر وللمصريين لايلقى الترحيب من بعض هؤلاء الذين ولدوا فى مصر ويحملون اسمها ولكن لهم من الأفكار المغلوطة والتفسيرات المجحفة والمصالح الذاتية والتبعية الخارجية مايجعلهم لايريدون لمصر النجاح بل الاهم والأخطر أنهم يتبرأون من الانتماء لمصر العظيمة، والبعض يريد قصر الانتماء عليه وفقط دون باقى المصريين وكان مصر ليست وطنا وشعبا واحدا متعدد الثقافات الخاصة التى تجمعها ثقافة مصر الواحدة والجامعة. 

فمن يتبرأون ويقصرون انتماءهم ويتخندقون داخل حقبة زمنية بعينها من حقب مصر التاريخية والحضارية، رافضين ومسقطين باقى الحقب الحضارية التى شكلت الهوية المصرية. هؤلاء لايعترفون حتى بالحقبة الإسلامية المعاشة والتى اثرت ولازالت تؤثر فى المصريين دون ذكر ديانتهم، ولكن يحولون التاريخ ويقرأون التراث على أرضية دينية حتى يسقط منها الآخر الدينى، كنوع من التمايز على الآخر فتصبح فى فكرهم الخاطيء والمتخلف أن المصرية القديمة هى الفرعونية اى أنها يجب أن يسقط عليها بالمطلق مايسقط على فرعون موسى . اى أن مصر القديمة بدينها وتراثها وحضارتها كافرة وأن هؤلاء المصريين هم ابناء الحقبة وكل من يعترف بها هم أيضا كفار! ناسين أو جاهلين أن المصري القديم هو أول من عرف الإله وأول من دعى الى التوحيد، بل الاهم أن مصر قد أنجبت النبى إدريس وهو النبى المصرى الوحيد الذى ذكر فى القرآن!!!.

أما النوع الآخر وهم الذين يحصرون ويحاصرون الحقبة المصرية القديمة ويعتبرونها ملكية خاصة وايضا على أرضية دينية مسيحية، فالحقبة فى معتقدهم وكأنها مسيحية التاريخ والحضارة واللغة والانجاز وهم لا يعلمون أنها كانت ووجدت قبل المسيحية اصلا، فاللغة القبطية (وهى اللغة المصرية القديمة وليست اللغة المسيحية) وكأنها هى اللغة الخاصة والمقصور ملكيتها على المصريين المسيحيين فقط، إنها لغة مصر وهى ملك لكل المصريين ولاعلاقة لها بالدين، ولكنها نية التمسك بالتمايز الذى يجعل كلا منهما رافضا للآخر وعلى أرضية دينية خاطئة. 

المصريون ياسادة يشتركون فى جيناتهم المصرية الأصيلة بنسبة ٩٧ فى المائة أيا كانت أصولهم الجنسية السابقة، فمصر هى من  تصهر الوافد إليها فى بوقتها المصرية الذهبية وتجعله مصريا. كما أن المسلم المصرى ليس بالضرورة أن تكون جذوره من الجزيرة العربية وألا أين المصريين الذين تحولوا من المسيحية إلى الإسلام مثل ماتحولوا من الديانة المصرية القديمة إلى المسيحية؟ 

للاسف فالمشكلة هى أن التراث الذى يشمل الدينى والاجتماعى والثقافى والسياسى والاقتصادى يتم حصره فى إطار التراث الدينى وفقط، مسقطين كل انواع التراث إذا لم تتجاوب هذه الأنواع مع أفكارهم الخاطئة وتمايزهم المرفوض. 

مصر الواحدة وشعبها الواحد، تاريخهم واحد وحضارتهم واحدة وتراثهم واحد وجيناتهم واحدة، فهم شخصية حضارية تكونت من الفرعونية واليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية، والدين بكل مسمياته هو أحد مكونات تلك الحضارة وهذا مثار فخر كل المصريين، وكل من لايفخر بمصر، هذا شأنه ولكن مصر لن تفخر بغير اولادها المخلصين المنتمين . 

حفظ الله مصر الحضارة والتاريخ وشعبها العظيم الذي يعتز بهذه الحضارة.
---------------------------
بقلم: جمال أسعد

مقالات اخرى للكاتب

ماذا يريد الشعب؟ (٩)





اعلان