"أقسم بالله العظيم أن أحترم الدستور والقانون وأن أخدم الدولة وأن أحافظ على المال العام وأن أؤدى واجباتى بنزاهة وشفافية وبروح فريق العمل وعلى الوجه الأكمل لخدمة الشعب"..
هذا هو نص اليمين الذى يتعين على كل مسؤول يتولى منصبا قياديا أداءه طبقا للمادة19 من قانون الخدمة المدنية 81 لسنة 2016.
ورغم يقينى بقدسية القسم وتبعات الحنث به، وعدم الوفاء به ليس أمام قضاة الارض وإنما وهو الأهم والأخطر والأكثر إقرارا للعدالة هو تبعاته أمام قاضي السماء.
للأسف لم يعد مشهد القسم العظيم يطمئننا على التزام كل مسؤول بواجباته ومراعاة لضميره فى كل قرار يتخذه.. فبعدما تكررت جرائم الفساد وكشفت حقيقة بعض ممن خان أمانته وتاجر بآلام الشعب وإستباح حقوقه وإغتصب ثرواته .
ومثلما لايطمئننا البند الخاص باليمين الذى يؤديه المسؤولون ولسان حالنا يردد "قالوا للقيادى احلف.. قال جالك المنصب" لا نستبشر كثيرا ببنود أخرى حددها القانون تتعلق بإجراء مسابقة للتعيين فى الوظائف القيادية والإشرافية يعلن عنها على موقع بوابة الحكومة متضمنا البيانات المتعلقة بالوظيفة، ويكون التعيين من خلال لجنة للإختيار لمدة أقصاها ثلاث سنوات ويجوز تجديدها بحد أقصى ثلاث سنوات أخرى، بناء على تقارير تقويم الاداء دون الإخلال بباقى الشروط اللازمة لشغل هذه الوظائف.
بند يبدو عظيما ومهما وكافيا لضمان حسن اختيار القادة والمسئولين لو ضمننا بالفعل تطبيقه على النحو الصحيح، وألا تتكرر سيناريوهات نحفظها عن ظهر قلب تكون فيها المسابقات مسألة شكلية ظاهرية ولا يتم الإعلان عنها فى الحقيقة إلا بعدما يتم الاختيار وتحديد الفائزين ليس بناء على الكفاءة، ولكن للأسف وفق معايير أخرى فى مقدمتها المحسوبية والتوصية والشللية.
ولا أعرف تحديدا، لماذا نص القانون على إمكانية تجديد مدة التعيين للمناصب القيادية بحد اقصى ثلاث سنوات، وكلنا يعلم أن طول الفترة التى يتولى فيه أى قيادي مهما منصبه، تتناسب عكسيا مع كفاءته فى أداء تلك المهام أو على الارجح فإن تغيير القيادات يضمن عدم التكلس فى الأداء والدفع بدماء جديدة للتطوير والإنجاز بشكل أفضل، هذا بالطبع إذا أحسننا إختيار تلك القيادات، وهنا أيضا نتوقف عند بند آخر من قانون الخدمة المدنية والذى يشترط توافر النزاهة وإجتياز التدريب اللازم لشغل المناصب القيادية، لنؤكد مرة أخرى أن نصوص القانون تبدو فى كثير من الأحيان ملزمة وضامنة ومحققة للعدالة، إلا أن مشكلتنا كانت ومازالت وأتمنى ألا تظل، تكمن فى التطبيق وتفاصيله الذى تسكن فيه كل الشياطين التى لا تتورع عن الضرب بكل البنود عرض الحائط، بكل الطرق الملتوية ولاينقصها البراعة فى الالتفاف على القانون وإخضاع مواده وفق مشيئتها ومصالحها وبدهاء وإحترافية وتمكن، يجعل كل ما تفعله لايخرج عن حدود القانون ويصعب إثبات تجاوزها أو خروجها على إطاره.
ليس خافيا على أحد عدم حاجتنا لمزيد من القوانين التى تحمل الوعود والضوابط البراقة، لكن ما ينقصنا حقا الشفافية والنزاهة والتطبيق الجاد والأمانة والجدية فى تطبيق تلك القوانين، فهي الضمانة الوحيدة لحسن اختيار القيادات ووضع الرجل المناسب فى المكان المناسب وفق كفاءته ومهاراته وتميزه، وليس بناء على أهواء ومصالح ترفع أصحاب الحظوة والمرضى عنهم، ممن يجيدون التزلف والنفاق والمهادنة وتطيح الكفاءات الأكثر إخلاصا وصدقا وتميزا وأمانة ومسئولية.
استقيموا يرحمكم الله.
----------------------
بقلم: هالة فؤاد