24 - 04 - 2024

لماذا يبحث الرَّجل عن الزّوجة الأم؟

لماذا يبحث الرَّجل عن الزّوجة الأم؟

الذي يبحث عن أُمّه في زوجته لم يخرج بعد من أنموذج التّعلق الطفولي، دليل عدم النّضج العاطفي؛ وهو ما يطلق عليه أطباء العقل: "الحُب العصابي"، نظرًا لكونه مرضًا عصبيًّا يصيب صاحبه بالتّوتر والقلق الدائم، هذا الرَّجل لم يُفطم بعد مِن أمه، يحتاج -كالطّفل- حماية الأم ودفئها ورعايتها وإعجابها المطلق به لمجرد أنه ابنها بصرف النّظر عن كم العيوب التي يتصف بها!!

 الرَّجل هنا يود حُبّ الأم التي تعطي بلا سبب ولا تنتظر الطّلب، تعطي لأن طفلها يحتاجه، وفي ذات الوقت عاجز على أن يردّ بالمقابِل، ليبقى الطّفل مُتلقيًا طيلة الوقت. هذا الصّنف من الرِّجال ساحرٌ في عواطفه عند بداية ارتباطه الزّواج، ولكن بمرور الوقت تصبح العلاقة طفيلية غير مسؤولة، لأن هدفهم الأول أن يُحَبَّوا لا أن يَحِبوا! وعادة هؤلاء لديهم أفكار بالعَظمة مخفية داخلهم بشكل أو بآخر، ويشعرون بالأمان إذا وجدوا المرأة التي تعيد لأذهانهم صورة الأم، لكن بعد مدة وعندما لا تستمر المرأة في القدرة على أن تعيش وفق خيالاتهم المُشتطة تبدأ الصّراعات والاستياء منها. 

الرَّجل هنا يريد أن يرى المرأة دومًا مُعجبة به، وإذا أبدت مطالبها الخاصّة كأن تريد العيش بطريقتها، أو لها احتياجات غير التي تعجبه ويتوقعها هو، أو رفْضِها لعيبٍ فيه، أو نوع الأمان والحماية التي تودّها منه ليكبر في عينيها.. يشعر الرَّجل أن أمله قد خاب!! ساعتها يُعلن أن زوجته لا تحبه، وذات نزعة مُهيمنة، لأنه في قرارة نفسه يرى أن أي نقصٍ في موقف الأم المُحبّة تجاه طفلها "السَّاحر المُعجب بذاته" دليل نقصان حبها له!! هنا يتوصّل لنتيجة مفادها: أنه قد عُومل معاملة غير عادلة رغم كونه "عظيمًا"(!!) فيبدأ في الشَكوى من الحبيبة -الزوجة- التي تنكّرت له. 

هذا النوع من الرِّجال يبحث عن زوجة من النوع الأمومي.. لا امرأة لها حقوق وواجبات وأنها لا يجب أن تشبه غيرها، ولا يتحتّم عليها أن تشبه كذلك اُمّه في شيء.. فأمّه ليست نموذجًا إلا في خياله وحده.. ويعتقد دومًا أنّه قد أخطأ في اختيار الزوجة لأنها ليست "مثالية" كاُمّه. المُدهش أنه لو سأل أبيه لأجابه بأن زوجته (أم الزوج) ليست مثالية كأمّه (أم الأب أي الجدة) وأنه قد أخطأ الاختيار بدَوره!!! 

هذا الرَّجل لا يستطيع أن يحيا بشكلٍ حرٍّ ومستقل، وبالتالي لا يتقبّل فكرة أن زوجته لها شخصيتها واحتياجاتها المختلفة عنه وعن توقعاته، هنا يصبح الزّواج مجرد إشباع جنسي فقط، بمعنى أنه بدلًا من أن يخرج من رحم أمّه ليواجه العالَم يبحث عن زوجة (أُم ثانية) تُدخله رحمها ثانيةً لتحميه من العالَم ومآسيه!!

 "الحُب العصابي" يجعل الرَّجل يتجاهل نواقصه، ويبقى مشغولًا دومًا باتهام زوجته كنوعٍ من عقابها، ويقسو عليها ويظلمها، وتدريجيًّا يستخدم الإسقاط على أطفاله، فحين يفشل هو في التعامل السّوي مع زوجته، وحين لا يُلبِّي احتياجاتها بالطريقة التي تودّها هي -لا بطريقته هو- يوجه اللوم لأبنائه بأنهم سيفشلون كأمّهم!! وأنّه لا يود الانفصال عنها -فقط- ليحيا الأبناء في جوٍّ أسري متحدٍ!! والحقيقة أنّ جو التّوتر داخل تلك الأسرة أشدُّ ضررًا على الأطفال من انفصال الوالدين بشكلٍ صريح يُعلِّمهم -على الأقل- أنّ الإنسان قادرٌ على إنهاء موقفٍ لا يُطاق بقرارٍ حاسم. 

مقالي هذا تلخيص لأحد محاور ندوة "أونلاين" دُعيتُ إليها من قِبل "المؤسسة الداعمة لرأب الصّدع الأسري" بالجزائر، والذي ضمّ عددًا من الأطباء والمختصين وعلماء الدّين وبعض الأزواج والزّوجات.. فلهم كل التحايا وعظيم الامتنان.
--------------------
بقلم: حورية عبيدة

مقالات اخرى للكاتب

ترنيمة عشق | صفحة من تاريخ الأفاعي الأسود





اعلان