08 - 07 - 2025

مؤشرات| وهم "حُسن النوايا" في سد النهضة

مؤشرات| وهم

لم تمر ساعات على لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، في الخرطوم قبل ايام، والخروج برؤية مشتركة حول الملفات الخاصة بسد النهضة، وكيفية مواجهة التعنت الإثيوبي، ومحاولات فرض الأمر الواقع، حتى خرجت أديس أبابا، كما تعودنا في هذا الملف برفض أي وساطة.

وخرجت وزارة الخارجية الإثيوبية، على لسان المتحدث الرسمي، برفض مقترح الخرطوم المتعلق بتوسيع الوساطة في أزمة سد النهضة، وهو ما يسفر عن اعتزام الاستمرار في تعنتها للدخول في مرحلة الملء الثاني للسد، بعد قيامها بكامل المرحلة الأولى ، في حالة من التجاهل لكل مخاوف دول المصب "القاهرة والخرطوم"، وهو ما يهدد حقوق الدولتين.

وفي حالة من التبجح الشديد، خرج المتحدث الرسمي، بإسم وزارة الخارجية الإثيوبية "دينا مفتي" معلنا في حالة ابتزاز شديدة أن بلاده أبلغت وفد الكونغو الديمقراطية برفضها مقترح السودان بشأن الوساطة الرباعية المتعلقة بإدارة أزمة سد النهضة، والتمسك بوساطة الاتحاد الأفريقي.

وتنسف أديس أبابا بهذا أي شكل من اشكال حلحلة الأزمة، بما يرعي حقوق دول المصب، وتصر على الانفراد بكل القرارات مخالفة بذلك كل الأعراف الدولية، وفي حالة تبحج أكبر قال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية "لا يمكن أن يتم إقحام أطراف أخرى في مفاوضات سد النهضة في ظل قيام وساطة أفريقية يجب أن تحترم وإعطائها فرصة للنجاح"، كما ادعى أن الوفد الكونغولي بشأن الوساطة في سد النهضة لم يطرح أي مبادرة حول عملية التفاوض المرتقبة وما نقله هو وجهة النظر المصرية والسودانية.

وتدعي أديس أبابا أنه تمت معالجة مسائل سلامة السدود وتبادل المعلومات التي أثارها الجانب السوداني بشكل ملائم، فيما لم تلتفت أديس أبابا لتوافق القاهرة والخرطوم على اقتراح إشراك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مع الاتحاد الأفريقي للتوصل إلى اتفاق بشأن أزمة سد النهضة.

وتغض إثيوبيا الطرف عن أن المظلة الأفريقية لحل الأزمة المستمرة منذ حوالي 10 سنواتـ لم تتوصل لشئ محدد، فيما أن الحل الذي اسفرت عنه الوساطة الأمريكية تهربت منها أديس أبابا، بل قامت بفعل ينم عن فهم للعمل الدبلوماسي، بالتخلف عن حضور توقيع الإتفاق، وبشكل عمدي، بعد شهور من ماراثون المفاوضات.

وسط هذا اللعبة التي اعتادت عليها إثيوبيا، يخرج مسؤول أخر، ليقول أن بلاده مستعدة للحوار مع القاهرة والخرطوم، بل ذكر أحد المسؤولين الإثيوبيين أن المفاوضات ستعقد خلال أيام.

وبدا من الكلام أن إثيوبيا تعمل على كسب الوقت كالعادة، واستغلال كل الفرص لاستكمال مشروع السد، والدخول في مراحل الملء حتى تضع دولتي المصب في فرض سياسة الأمر الواقع، والقبول بالمشروع، والتعايش معه.

ومن الملاحظ أن الحكومة الإثيوبية اعتادت في كل مرة يحدث فيها حوار أو تصريحات، أن تخرج بموقف إما رافضا لأي حلول تصب في صالح الدول الثلاثة، فيما وعندما تشعر بتضيق الخناق، تخرج بتصريحات "دغدغة" سياسية، لا تليق بقضية أمن قومي لدول شريكة في مصب نهر النيل، وتعيش حوله.

وفي قراءة دقيقة لكل حوارات أديس أبابا، وتصريحات رئيس الوزراء، وكل المسؤولين .. تصب في النهاية إلى أنه لا أمل مع دولة لا ترى إلا نفسها، وتستند إلى أنها قاب قوسين أو أدنى من استكمال مشروعها، ضاربة بعرض الحائط أي مصالح أخرى، ولا يجب أن نعول مصالح شعبي مصر والسودان، على وهم اسمه مفاوضات "تبويس اللحي"، ومن الواضح أن انتظار "حسن النوايا"، مجرد وهم لن يتحقق.
--------------------------
بقلم: محمود الحضري
المقال منشور في العدد الأسبوعي


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | حادث